للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وذلك لأن الأغلبية الساحقة من الجزائريين، في الوقت الحاضر، يجدون فيهم تعبيراً عن أنفسهم. وعليه أصبح الأمر اليوم، يتعلق بحمل جبهة التحرير الوطني على الإتفاق معنا. وحينما تتوقف المعارك يقترح على مواطني البلدين أن يقرروا، بواسطة الإقتراع، بناء الجزائر المستقلة وتنظيم علاقاتها مع فرنسا (١).

هكذا، إذن، جعل الجنرال ديغول اللجوء إلى التفاوض مطلباً حيوياً لم تفرضه عليه الثورة الجزائرية، ولكنه يندرج ضمن مبادئ التحرر والإنعتاق التي زعم أنها ظلت دائماً ملازمة له، وفي إطار تلبية رغبة السكان الجزائريين وتمشياً مع إرادة الشعب الفرنسي التي عبر عنها بواسطة استفتاء الثامن من شهر جانفي سنة واحدة وستين وتسعمائة وألف.

ولقد وجد من بين المؤرخين ورجال السياسة من صدق هذا الإدعاء نسي الجميع مختلف التصريحات التي كان الجنرال يدلي بها والتي كان ينكر فيها على جبهة التحرير الوطني حق التفاوض باسم الشعب الجزائري ويلوح بضرورة إشراك أطراف أخرى لتسوية المشكل الجزائري على أساس "التهدئة والتحول الإقتصادي والعمل من أجل تكوين الشخصية الجزائرية الجديدة (٢). أما مسألة إسترجاع الإستقلال الوطني فلم تكن مطروحة على الإطلاق. ففي اليوم التاسع والعشرين من شهر جانفي سنة ستين وتسعمائة وألف قال ديغول: "إن منظمة المتمردين تزعم أنها لا توقف القتال إلا إذا تحادثت معها حول مصير الجزائر، وذلك يعني أننا نعترف بها المنظمة الوحيدة التي تمثل الشعب الجزائري، ونعترف بها مسبقاً كحكومة للجزائر. وهذا ما لن أفعله أبداً". وقبل الإنتفاضة الشعبية بحوالي شهر فقط (٣) كرر ذلك بصيغة أخرى إذ صرح: "إنهم يزعمون أن وقف القتال لن يتم إلا إذا ضبطوا معنا شروط الإستفتاء كأنهم يمثلون الجزائر جميعها".

ومهما يكن من أمر، فإن الإتصالات السرية قد أستؤنفت جدية بين الطرفين مباشرة بعد إستفتاء الثامن من جانفي سنة واحدة وستين وتسعمائة وألف ثم تعثرت بسبب محاولة الحكومة الفرنسية من جديد إقحام أطراف أخرى في المحادثات (٤) وبسبب الانقلاب (٥) العسكري الفاشل الذي وقع ليلة الثاني


(١) مذكرات الجنرال الجزء الأول، ص١٠٣.
(٢) مذكرات الجنرال، ص: ٧٥.
(٣) المقصود هنا هو الخطاب الذي ألقاه الجنرال ديغول يوم ٠٤/ ١١/١٩٦٠.
(٤) كان الطرفان الفرنسي بواسطة جورج بومبيدو والجزائري بواسطة أحمد بومنجل قد أعلنا يوم ٣٠/ ٠٣/١٩٦١ أن المفاوضات ستنطلق بإيفيان يوم ٠٧/ ٠٤/١٩٦١، لكن الحكومة الجزائرية أجلت ذلك التاريخ بسبب تصريح السيد لوس جوكس الذي جاء فيه أن فرنسا ستتفاوض كذلك مع الحركة الوطنية الجزائرية التي يتزعمها السيد الحاج مصالي.
(٥) هو الانقلاب الذي تزعمه الجنرال شال بمعية الجنرالات جوهر، زلروسالان وبمشاركة مجموعة من العقداء أمثال قارد، آركو وكان الهدف من الإنقلاب فصل الجزائر عن فرنسا لمدة ثلاثة أشهر يتولى خلالها القضاء على جيش التحرير الوطني وعلى شبح الجزائر المستقلة كي لا يبقى في التاريخ سوى الجزائر الفرنسية. لكن الجنرال ديغول قاوم المتآمرين واستطاع أن يفشل حركتهم في ثلاثة أيام (اليستر هورن، ص٤٦٤ وما بعدها).

<<  <  ج: ص:  >  >>