للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

طرابلس لم يناقش بل تمت المصادقة عليه بالإجماع لأن اهتمام المؤتمرين كان منصرفاً إلى مسألة تشكيل المكتب السياسي، ولقد كان ذلك خطأ فادحاً جعل الثورة الجزائرية، تدخل مرحلة ما بعد الكفاح المسلح بمشروع مجتمع بعيد كل البعد عن واقع الشعب الجزائري، ومستحيل التنفيذ بسبب عدم تهيئة الظروف الموضوعية والمتمثلة خاصة في تثقيف الجماهير الشعبية الواسعة ثقافة اشتراكية.

لقد كان واضعو المشروع يعرفون جيداً أن الشعب الجزائري مسلم، وأن نسبة الأمية فيه تزيد عن ثمانين بالمائة، وأن تمسك أفراده بمبدأ الملكية الخاصة لا جدال حوله، ومع ذلك فإنهم تبنوا تحليل الدكتور فرانتزفانون الذي قال: "إن الثورة الجزائرية لايمكن إلا أن تكون ثورة اشتراكية يشكل الفلاحون قواها المسيَّرة، وترتكز استراتيجيتها على دور الإسلام الذي هو حصن الفقراء ضد الأغنياء والذي يعطي للأصالة الجزائرية طابعها المتميز" (١) ولكي لايستعملوا نفس المصطلحات الماركسية (٢) اخترعوا تسمية جديدة هي الثورة الديمقراطية الشعبية وحددوا مهامها الأساسية كالآتي:

١ - إقامة الدولة الجزائرية على أساس مناهضة الامبريالية ومعاداة الإقطاع، وذلك يتطلب بالضرورة تحلي الطاقات الحية في البلاد بروح المبادرة واليقظة وممارسة الرقابة المباشرة في جميع الميادين، بإلغاء أشكال

الذاتية المتمثلة في الارتجال وسوء التقدير وعدم الوضوح الفكري والنظرة المثالية للواقع وفي القيم الأخلاقية الفردية التي لايمكن أن تكون حاسمة في بناء المجتمع.

٢ - إلغاء الهياكل الاقتصادية والاجتماعية التي أوجدها الإقطاع واستبدالها بهياكل جديدة ومؤسسات يكون هدفها الأول هو تحرير الإنسان وتمكينه من ممارسة حرياته، وتوفير الشروط اللازمة لضمانها. وحتى تكون التنمية الشاملة سريعة ومنسجمة وقادرة على الاستجابة لحاجيات الجميع يجب أن تصاغ في منظار اشتراكي بالضرورة.

٣ - استرجاع القيم المكبوتة أو تلك التي قضى عليها الاستعمار، والعمل على صياغتها وتنظيمها وفقاً للحداثة والعصرنة، وفي نفس الوقت إدراج الفكر الديمقراطي وترسيخه في سائر مؤسسات الدولة والعمل على نشر


(١) فرانتز فانون، المعذبون في الأرض.
(٢) الأدبيات الماركسية تقول: الثورة البورجوازية.

<<  <  ج: ص:  >  >>