للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

شاركوا من قريب أو من بعيد في تعذيب اليهود واضطهادهم، كما أنه يغتنم جميع الفرص لإشعار السلطات الألمانية بالذنب وجعلها لاتتوقف عن تقديم المبالغ الباهظة والمساعدات المختلفة تعويضاً عن الأضرار التي قد يكون الجيش الألماني قد ألحقها بأبسط يهودي في أقصى مكان من أنحاء العالم.

وعندما يتعلق الأمر بالجرائم المرتبكة ضد الإنسانية في الجزائر، فإن المسؤول الأول عن وقوعها لايتردد في الحديث عنها بكل استخفاف ولايوجد من الجزائريين من يتجرأ حتى على توجيه التهمة إليه. لقد كان الجنرال دي غول يتابع عن كثب عمليات التقتيل الجماعي التي تعرضت لها الجماهير الشعبية في الشرق الجزائري، وعلى الرغم من ذلك، فإنه كتب إلى الوالي العام بتاريخ ١٢/ ٥/١٩٤٥ يأمره باتخاذ "جميع الإجراءات الضرورية لقمع كل الأعمال المناهضة لفرنسا والتي تقوم بها أقلية من المشاغبين" (١٠٧). وعندما نشرت مذكراته سنة سبعين وتسعمائة وألف جاء فيها بالحرف الواحد: "وفي نواحي القسنطينية وبالتزامن مع اضطرابات شهر مايو الثورية، ظهرت بداية ثورية قضى عليها في المهد الوالي العام شاتينيو" (١٠٨).

وعلى أي حال، فإن شدة القمع واتساع عمليات الإبادة بكيفية يصعب على العقل تصويرها قد أجبرا قيادة حزب الشعب الجزائري (١٠٩) على البقاء في اجتماع متواصل تدرس التقارير المرفوعة إليها من سائر أنحاء الشرق الجزائري الذي كان يعيش حالة الحرب الطاحنة، ومن باقي جهات الوطن التي نقلت إليها الأوامر الخاصة بإشعال فتيل الثورة ليلة الرابع والعشرين من شهر مايو كما أشرنا إلى ذلك سابقاً. وفي يوم ١٨/ ٥/١٩٤٥ خلصت القيادة المذكورة إلى أن الاستعدادات اللازمة للكفاح المسلح غير كافية، وأن شروط الانتصار على العدو غير متوفرة، وبالتالي فإن الاستمرار في تعميم الثورة سوف لن يزيد إلا في مضاعفة التقتيل والقمع بجميع أنواعه، ومن ثمة اتخذ القرار بالإجماع على تسيير رسل تحمل لكافة القيادات المحلية في مختلف أنحاء الوطن أوامر الكف عن القتال حيث تدور المعارك وعدم البدء فيه حيث لم تنشب المعارك بعد.

ومن المتفق عليه، اليوم، أن الأوامر المضادة قد وصلت في وقتها إلى جميع القيادات المحلية لكن بعض المسؤولين (١١٠) رفضوا تطبيقها ليس عصياناً أو تقصيراً ولكن لأن التحضيرات في مناطقهم أوشكت على الانتهاء، ولأن حماس المناضلين والمواطنين لم يعد ممكناً معه التراجع والعودة إلى

<<  <  ج: ص:  >  >>