للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وكما كان لبعض الاباطرة يد في ضعف القوة العسكرية بالجزائر كان للزمان أيضا يد في ذلك. فان الجنود بطول اقامتها في هذا الوطن ومنح الاراضي لها عشقت الحياة الفلاحية، وأصبحت تنافس الاغنياء في تعمير الحقول وتشييد القصور، فابتعدت بذلك عن الصفات الجندية.

٣ - واما العمران فقد كان لضعفه سببان: أحدهما تطلع الاعضاء البلديين لمجلس الشيوخ، وبعد تسنمهم لذلك المنصب تقل عنايتهم بالشؤون البلدية، ويعفون من الاداء على أملاكهم الواسعة. وثانيهما النزاع الواقع بين المذاهب المسيحية. وقد مر ان من المسيحيين طائفة كانت تجوب البوادي لنسف العمران واعدام الطبقة المثرية من البلاد.

ب- واما ضعف الرومان الادبي فذلك انهم وجدوا بالجزائر أرضا طيبة التربة ويدا ناشطة في العمل، فاستغلوهما جميعا. وبلغوا بهما أقصى درجات البذخ والنعيم، فانغمسوا في الملاهي والملذات، حتى ان الديانة المسيحية- على ما فيها من تهذيب للنفوس وتزهيد في الدنيا- لم تصدهم عن ذلك وقد حدث أسقف قرطاجنة القديس قبريان (٢٤٨ - ٢٥٨) عن أكثر أساقفة عصره بانهم كانوا سراقا منهمكين في اللذائذ مرابين الى غير ذلك من الصفات الذميمة. وقد جاهد القديس اغسطين في تقويم الاخلاق جهادا أكبر ولكن الامر قد أدبر وفساد الاخلاق عم وانتشر فلم يكن لكلامه بالنفوس كبير أثر وإذا ذهبت أخلاف أمة فبشرها بالزوال

إِنَّمَا الْأُمَمُ الْأَخْلَاقُ مَا بَقِيَتْ ... فَإِنْ هُمُو ذَهَبَتْ أَخْلَاقُهُمْ ذَهَبُوا

ج- واما نفور البربر الطبيعي فان هذا الجنس سقيت طينته بماء الحرية وعجنت بيد الشدة وجفت بريح الثورة، فليس في وسعه

<<  <  ج: ص:  >  >>