للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وفي العهد الأول للجنرال كلوزيل (٤٥)، ظهر اسم ابن العنابي من جديد. فقد كان هذا المفتي موضع شبهة السلطات الفرنسية منذ دخولها، وكانت العلاقات متوترة بينهما، وتأزم الموقف بين الطرفين فحيكت له مؤامرة قرر إثرها كلوزيل سجن المفتي ثم نفيه خلال مدة قصيرة. ويبدأ هذا التوتر، حسب أخبار الحملة الفرنسية على الجزائر، حينما أجير كلوزيل المفتي على تسليمه بعض المساجد في المدينة لجعلها مستشفيات للجيش، متعهدا له باستعمالها مدة شهرين فقط (٤٦) وكان ابن العنابي شديد النقد للسلطات الفرنسية على خرقها للاتفاق الموقع بين الداي حسين باشا والكونت دي بورمون. وكان يكتب بنقده ولومه إلى الجنرال كلوزيل (٤٧). وضاق كلوزيل ذرعا بجرأة المفتي فقرر وضع حد لها. فقد ألقى عليه رجال الدرك القبض وقادوه إلى السجن وتعرضت أسرته خلال ذلك إلى المهانة (٤٨) وكانت التهمة التي وجهت إليه هي تدبير مؤامرة ضد الوجود الفرنسي وإعادة الحكم الإسلامي (العثماني) للجزائر.

وتروي المصادر الفرنسية أن المخبرين قد وشوشوا في أذن كلوزيل بأن المفتي الحنفي لمدينة الجزائر رجل خطير على الوجود الفرنسي، وأن له تأثيرا قويا على أهل البلاد. وهذا ما ادعاه لنفسه (٤٩) ويعلق ديرينو على ذلك بأن المفتي لم يكن له ذلك التأثير المشار إليه. أما حمدان خوجة الجزائري فيفصل الحادثة،


(٤٥) تولى الجنرال كلوزيل قيادة الإدارة الفرنسية في الجزائر مرتين: الأولى (١٨٣٠ - ١٨٣١) والثانية (١٨٣٥ - ١٨٣٦) وكان شديد الحماس للاستعمار ولذلك شن حملة ضد الجزائريين المعارضين للاحتلال الفرنسي فنفى بعضهم إلى المشرق ونفى آخرين منهم إلى فرنسا وشرد وسجن الباقي منهم في الجزائر نفسها.
(٤٦) خوجة ص ٢٥٠.
(٤٧) نفس المصدر ص ٢٥٩.
(٤٨) يستعمل خوجة، نفس المصدر، عبارة (وتعرضت أسرته لجميع الإهانات بحجة أنها كانت تدبر مؤامرة يا ترى ماالجناية التي يمكن إسنادها للنساء والأطفال)؟. وهذا برهان على أنه كان للمفتي أسرة كبيرة ومتفرعة. وقد يكون بين المفتي وخوجة مصاهرة.
(٤٩) ديرينو، ص ١٥٥ - ١٥٦. وسعد الله، ص ٦٩ - ٧١. ويقول خوجة إنه سأل كلوزيل عن التهمة الموجهة إلى المفتي أجابه بأنه كان يعد القبائل للثورة ضد الفرنسيين، خوجة ص ٢٥٩.

<<  <   >  >>