للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

شخصا يطلب منهم أو يحثهم على وضع كتاب في الموضوع الذي اختاروه. فهل كان بطل ابن العنابي حقيقيا أو تصوريا؟ وإذا كان حقيقيا فمن يكون يا ترى؟ هل هو من أصحاب محمد علي نفسه الذي أمر فيما بعد، كما عرفنا، إبراهيم السقا، باختصار الكتاب؟ وإذا كان تصوريا فهل كان اقتناع ابن العنابي شخصيا بفكرة تجديد الجيش وتقليد الحضارة الأوربية اقتناعا كاملا جعله يقدم على هذا العمل تلقاتيا ليدعو إلى مذهب التجديد الذي آمن بفوائده على دينه وقومه؟ ومهما يكن بطل ابن العنابي، حقيقيا أو تصوريا، فإن إقدام المؤلف على هذا العمل يخدم أنصار التجديد عندئذ، وفيهم السلطان محمود الثاني ومحمد علي والي مصر، كما يخدم نزعة شخصية واضحة لدى ابن العنابي.

ذلك أن ابن العنابي لم يكن شخصية بسيطة ولا ضيق الأفق. فقد عرفنا أنه من أسرة توارثت القضاء والإفتاء، وكانت قريبة من مقاليد السلطة وذوي النفوذ في البلاد. وكان هو شخصا قد تولى، إلى جانب وظائفه الدينية، بعض المهمات السياسية. وكان قد شاهد أسطول بلاده يتحطم أمام الغزو الإنكليزي- الهولاندي، وأمام الأسطول الأمريكي في فترة قصيرة، ولاحظ مدى الصراع على السلطة لدى (الوجق) أو الإنكشارية في الجزائر. وقد تجول في البلاد الإسلامية فرأى ما عليه حال جيش المغرب الاقصى، وما عليه حال جيش مصر بقيادة إبراهيم باشا، وسمع عن انتصارات الأوربيين على إنكشارية الدولة العثمانية، وعاش في زمن شهد الحروب النابوليونية ومؤتمر فيينا. فهل نستغرب منه بعد ذلك أن يكتب (السعي المحمود) داعيا فيه إلى تجديد الجيوش الإسلامية والاستعداد للجهاد الحق على غرار ما كان عليه الجهاد زمن الانتصارات الباهرة؟ وهل نستغرب منه أيضا تأييده لحججه بالآيات والأحاديث وآراء المجتهدين من أئمة الإسلام الأوائل ليبرهن على أن دعوته نابعة من الكتاب والسنة والسلف وأنها في صميم التقاليد الإسلامية؟ ومما يلفت النظر أن ابن العنابي يرى أن ما جاء به الأوربيون من جديد في نظام الجيش تتلازم فيه الفكرة العسكرية والسياسية للارتباط الوثيق بينهما، لأنه لا جيش بدون حكم ولا حكم بدون جيش. وقد جاء في نص كلامه ما يلي (اعلم أولا أنه قد عرف أن ترتيب

<<  <   >  >>