للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

العباسية لقسوة حكامها وجورهم ومنعهم الحقوق من أهلها وتقديمهم لها من لا يستحقها. وكان ذلك، في رأيه، في أخريات تلك الدولة حينما منح حكامها (الأموال العظيمة للمغنين والشعراء وأهل اللعب والبطالة، وأهملوا الرعية، وركنوا إلى اللذات وإشباع الشهوات، كما يعلم ذلك من سيرهم في الكتب المطلولة) (٣١).

وهذا درس قاس لسلاطين آل عثمان أيضا ساقه المؤلف إليهم بطريقة غير مباشرة. ذلك أن عاقبة العباسيين في اتباعهم تلك السيرة كانت زوال ملكهم بعصيان الممالك الإسلامية في أطراف الدولة، ثم تسلط عليهم التتار فأبادوا ملكهم ومحوا اسمهم من الوجود، فضعف شأن البلاد الإسلامية، ولا سيما الجزء المشرقي منها. فمن أنقذ الإسلام إذن من كبوته وأقاله من عثرته؟ إنهم العثمانيون طبعا، إذ لولاهم لكانت العاقبة سوءا. فهم الذين وردت فيهم الأحاديث النبوية، وتم على أيديهم النصر بفتح القسطنطينية، وهم القائمون اليوم (زمن المؤلف) على النهوض بهذه الدولة. فعلى هؤلاء الأعقاب أن يكونوا خير خلف لخير سلف. هذه هي الأفكار الرئيسية التي أوردها ابن العنابي في هذا الفصل.

وعلينا الآن أن نأتي على نصوص منه. فقد قال عن أهمية الدولة العثمانية، بعد وصفه لسقوط الدولة العباسية، ما يلي: (ولولا ظهور الدولة العثمانية - أعلى الله مقامها، ورفع بالتأييد والنصر أعلامها - فجدد القائمون بأعبائها معالم الدين، وأحيوا ما اندرس من شريعة سيد المرسلين، لاتسع الخرق، وعم الفساد سائر الخلق). فالمؤلف إذن صريح في عواطفه العثمانية، ولا غرابة في ذلك فهو منحدر من أسرة تركمانية (٣٢)، خدمت العثمانيين في الجزائر زمنا طويلا. ولذلك نقل الحديث الشريف الذي يقول (لتفتحن القسطنطينية، ولنعم الأمير أميرها، ولنعم الجيش ذلك الجيش)،، مؤكدا على أنه


(٣١) نفس المصدر، ص ٩٠.
(٣٢) جاء في إجازة محمد الطيب الفاسي لمصطفى بن رمضان العنابي ما يلي:
أقول مجيبا مفصحا بلساني ... أجزت الفقيه المصطفى التركماني

<<  <   >  >>