للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

لأن الترك في ذلك من باب إهمال الأولى لا عتب على أحد فيه، لكن لما استبدلوه صار بدعة، من حيث إثبات ما أثبتوه في محل أثبت الشارع فيه خلافه.

فإن قالوا: لم نستبدله إلا بما هو أعظم خاصية منه، وأكبر أثرا في نظر الشارع، وهو كلمة الشهادة، التي قال فيها (ص): "أفضل ما قلته أنا والنبيؤون من قبلي لا إله إلا الله" (١)، وما ورد فيها من غير ذلك.

قلنا: قد نص العلماء على أن الذكر المقيد (٢)، أفضل من المطلق لقصد الشارع (ص) بالتخصيص الخاص، فافهم.

وسئل النووي وغيره عما بعد صلاة الصبح هل الذكر أفضل فيه أو التلاوة؟ فقال: قراءة القرآن أفضل في عموم الأوقات، والسنة لم ترد في هذا الوقت إلا بالذكر فهو أفضل في وقته، وسئل مالك عن صلاة النفل وحضور مجلس العلم، فقال مرة: مجلس المسلم أفضل، وقال مرة: الصلاة أفضل (٣) وفي بعض رواياته: ما له يصلي، لقد كانت صلاة القوم بالهاجرة والليل، فقال الشيوخ: مقتضى كلامه أن كل شيء في محله أفضل وهو الذي نص


(١) الموطأ ١/ ٢١٤.
(٢) الذكر المقيد، هو ما كان مقيدا من الشارع بزمان خاص أو مكان أو عدد، كذكر سبحان الله والحمد لله والله أكبر، عقب الصلوات ثلاثا وثلاثين، ونحوه.
(٣) ذكر الأئمة على أن الاشتغال بالعلم أفضل من صلاة النافلة، قال الربيع بن سليمان: سمعت الشافعي يقول: طلب العلم أفضل من الصلاة النافلة، ذكره ابن عبد البر في الانتقاء ص ٨٤، ولما قدم أبو زرعة بغداد نزل عند الإمام أحمد، قال ابنه عبد الله: سمعت أبي يوما يقول: ما صليت اليوم غير الفريضة، استأثرت بمذاكرة أبي زرعة على نوافلي، ذكره ابن الجوزي في مناقب الإمام أحمد ص ٢٨٩، وقال ابن وهب: كنت بين يدي مالك أكتب، فأقيمت الصلاة، وفي رواية: فأذن المؤذن وبين يدي كتب منشورة، فبادرت لأجمعها، فقال لي: على رسلك فليس ما تقدم إليه بأفضل مما أنت فيه إذا صحت النية، ذكره القاضي عياض في ترتيب المدارك ١/ ٤٢٧، وفي لطائف المنن: الذي يطلب العلم لله إذا قيل له: غدا تموت لا يضع الكتاب من يده، وذلك لأنه لن بمجد أفضل مما هو عليه، ذكره المؤلف، انظر فصل ٥٤ و٩٠.

<<  <   >  >>