للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال بعض العلماء: وحفظ الصحة مطلوب للتقوي على العبادة، كالرضى بالواقع، استسلاما إلى الله تعالى.

الثالث: في تأخيره إضرار بالغير، من زوجة أو ولد أو ضيف أو مضيف، ممن عسى أن تجب موافقته أو تندب، لأنه إن عرف عادته قد يعمل عليها وهو منحصر في نفسه، وهو الغالب إن أخر، أو يتقدم وفيه ما فيه، ولو وقع ذلك مرة في مرة، وإن لم يعرف عادته ربما ظن ذلك منه على وجه آخر، فكان جفاء في الجانبين، والجفاء منهي عنه بكل حال.

الرابع: فيه تفويت لحق الزوجة والولد والسؤال، وتعليم الأهل رديء العوائد، مع ظنهم أنها خير من غيرها في الدين، لأن الحضور مع الأهل في العشاء مطلوب، وهذا يفوت لهم إن عجلوا، ومضر بهم إن أخروا، والقيام بحق السؤال معه قل أن يتفق، لأنهم لا يتطوفون غالبا إلا بين العشاءين، وهو إن كان يعطي فللتذكر أثر، واعتقاد الغير ممن يعتقده في ذلك أنه قربة بدعة (١) هو سببها، فنسأل الله السلامة.

الخامس: فيه تشويش ومعارضة في الحال، لأن سنة الطعام التحدث عليه (٢) وسنة ما بعد العشاء ترك الحديث فيه (٣) فهو إن فعل أحدهما أخل بالآخر ولا بد له منه، هذا مع ما يلحقه من طريق العوائد من تكليف الأهل، بحفظ الطعام حتى يدركه سخنا إن سبقوه، أو يأكله باردا، وربما تضرر به أو ضر به غيره ممن يريد موافقته، فهو أمر لا خير فيه بحال، وبالله التوفيق.

...


(١) أي: هذا الاعتقاد في نفسه بدعة، سببها فاعل هذا التأخير للعشاء عن الصلاة.
(٢) قال السخاوي في المقاصد الحسنة ص ٣٢٠: حديث الكلام على المائدة لا أعرف فيه شيئا نفيا ولا إثباتا ... وربما يلتحق بآداب الأكل مؤانسة الضيف بالحض على الأكل، لكن علل عدم استحباب السلام على الأكل بأنه ربما يشغل بالرد فيحصل له ازورار، قال: وفي آخر مناقب الحاكم من قول الشافعي رحمه الله، قال: إن من الأدب على الطعام قلة الكلام.
(٣) في الصحيح عن أبي برزة الأسلمي: أن رسول الله (ص) كان يكره النوم قبل العشاء والحديث بعدها، البخاري مع فتح الباري ٢/ ١٨٩.

<<  <   >  >>