للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

{ولا ثقف ما ليس لك به علم} (١) فإن قالوا: دلتنا شواهد الأحوال على أن الشيخ المذكور من أهل الحق، قلنا: لا دلالة إلا بعلم، وغالب أتباعكم الجهال، ووجود المستند غير واضح، لكن الكرامة لا تفيده، وكثرة العمل كذلك، بل قد قالت عائشة رضي الله عنها: إذا أعجبك عمل رجل فقل:

{اعملوا فسيرى الله عملكم ورسوله والمومنون} (٢) ولا يستخفنك أمر، هذا في العمل بالواضحات، فكيف بالمجهولات ومفارقة الواضح لأجلها، أعاذنا الله من الفتن بمنه.

وقد جاء رجل إلى عبد السلام بن مشيش (ض)، فقال: يا سيدي وظف علي وظائف وأعمالا ألتزمها، فغضب الشيخ رحمه الله وقال: أرسول أنا، فأوجب الواجبات، الفرائض معلومة، والمحرمات مشهورة، فكن للفرائض حافظا، وللمعاصي رافضا، واحفظ قلبك من إرادة الدنيا، وحب النساء، وحب الجاه، وإيثار الشهوات، واقنع من ذلك كله بما قسم الله لك، إذا خرج لك مخرج الرضى فكن لله فيه شاكرا، وإذا خرج لك مخرج السخط فكن عليه صابرا، وحب الله (٣)، قطب تدور عليه الخيرات، وأصل جامع لأنواع الكرامات، وحضوة ذلك كلمه أربعة:

صدق الورع، وحسن النية، وإخلاص العمل، وصحة العلم، ولا تتم لك هذه الجملة إلا بصحبة أخ صالح، أو شيخ ناصح، قلت: فالشيخ مراد للعمل بما علم، وتعلم ما لم يعلم، وخروج النفس عن مرادها لمراد الحق بواسطة التحقيق في الأخذ، والتدقيق في النظر، لا للاتباع رماية في عماية، وعمل من غير سبق هداية، فحيح، بان الحق والباطل فليس إلا الترك والفعل، وإن خالف ذلك أمر الشيخ أو مراده أو قصده، إذ لا طاعة لمخلوق في معصية الخالق (٤) وحيث أشكل أو احتمل فبصيرة الشيخ مقدمة،


(١) الإسراء ٣٦.
(٢) التبوة ١٠٥.
(٣) في ت ١: (الدنيا) وهو خطأ.
(٤) تقدم لفظ الحديث، انظر فصل ٣٣.

<<  <   >  >>