للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال في لطائف المنن: وليس شيخك من سمعت منه، وإنما شيخك من أخذت عنه، وليس شيخك من واجهتك عباراته، وإنما شيخك الذي سرت فيك إشارته، وليس شيخك من دعاك إلى الباب، إنما شيخك من رفع بينك وبينه الحجاب، وليس شيخك من واجهك مقاله، إنما شيخك الذي نهض بك حاله، شيخك الذي أخرجك من سجن الهوى، ودخل بك على المولى، شيخك هو الذي ما زال يجلو مرآة قلبك حتى تجلت فيه أنوار ربك، نهض بك إلى الله فنهضت إليه، وسار بك حتى وصلت إليه، ولا زال محاذيا لك حتى ألقاك بين يديه، فزج بك في نور الحضرة، وقال:

ها أنت وربك ... انتهى، وهو عجيب.

ثم اعلم أن هذا الأمر قد يجده الشخص من شخص فينتفع به، ويجد منه غيره نقيضه فيتضرر به، وقد يجده الجمع الكبير، وقد لا يجده إلا الواحد والاثنان، فكما أن من أرباب الأصلاب من يكون عقيما في الولادة، مع توفر قواه، كذلك من أرباب الحقائق والأحوال من يوجد عقيما مع علو مقامه، فتمسك بمن تنتفع به، ودع ما وراء ذلك، ولا تنتقل عنه ولو رأيت من هو أعلى منه، فتحرم بركة الأول والثاني، ولذلك كان المشايخ يمنعون أصحابهم من صحبة غيرهم من المشايخ، بل من زيارتهم، فاعرف ذلك:

خد ما تراه ودع شيئا تسمع (١) به ... في طلعة الشمس ما يغنيك عن زحل

وقد قال في الحكم: العبارات قوت لعائلة المستمعين، وليس لك إلا ما أنت له آكل، أي: ما انتفعت به، لا ما انتفع به غيرك، وقال (ص): "من رزق من باب فليلزمه" (٢).

اللهم إلا أن يعترض حق شرعي يمنع من وجود الاقتداء، لضرر يلحقك


(١) الصواب: (سمعت) والبيت للمتنبي في ديوانه ص ٣٣٨.
(٢) عزاه في المقاصد الحسنة ص ٣٩٧ للبيهقي في الشعب والقضاعي، وهو بمعناه عند أحمد وابن ماجه، وأسانيده ضعيفة، انظر كشف الخفاء ٢/ ٣١٤.

<<  <   >  >>