للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

منه، وإذا رأيت رجلا يسكن إلى الرئاسة والتعظيم فلا تقربن منه، ولا ترجو فلاحه، وإذا رأيت فقيرا عاد إلى الدنيا فلو مت جوعا فلا تقربن منه، ولا تركن إلى رفقه فإن رفقه يقسي قلبك أربعين صباحا، وإذا رأيت رجلا يستغني بعلمه فلا تأمنن جهله، وإذا رأيت رجلا يرضى عن نفسه ويسكن إلى وقته فاتهمه واحذره أشد الحذر، وإذا رأيت مريدا يسمع القصائد ويميل إلى المراثة (١) فلا ترجون فلاحه، وإذا رأيت فقيرا لا يحضر عند السماع، يعني سماع ما يلقى إليه، فاعلم أنه حرم بركات ذلك بتشتيت باطنه، وتبديل فهمه، وقد قال في الحكم: رب عبر عن المقام من استشرف عليه، وربما عبر عنه من وصل إليه، وذلك ملتبس إلا على صاحب بصيرة، فالكلام لا يدل على وجود المقام، لكن لكل شيء علامة ودليل.

قال في الحكم: من أذن له في التعبير فهمت في مسامع الخلق عبارته، وحببت إليهم إشارته، وقال أيضا: ربما برزت الحقائق مكسوفة الأنوار، إذا لم يؤذن لك فيها بالإظهار، وقال الشيخ أبو العباس المرسي (ض): كلام المأذون له يخرج وعليه حلاوة وطلاوة، وكلام غير المأذون له يخرج وعليه كسفة، حتى أن الرجلين يتكلمان بالحقيقة الواحدة فيتقبل من أحدهما وترد من الآخر، قلت: وربما ظهر ذلك من الشخص الواحد، فتقبل منه في محل وترد عليه في غيره، ومن علامة المدعي عدم انبساطه بزمام الحق وشواهد الحقيقة، فتجده تارة يدعي العلم، وتارة يدعي العمل، وتارة يدعي أنه من أهل الكرامات، وتارة يستظهر بأوصاف الأحوال، وقد يلتزم حالة واحدة لا ينتقل عنها، والصادق تختلف حركاته ولا يختلف قصده، ولا يختل أصله، بل ترد كل شيء منه لأصل واحد فينتظم، سواء في باب العلم أو العمل أو الحال، لأن الحق واحد وطرقه متعددة، والباطل متراجع كله، فافهم.

قالوا: والمرائي يدوم على حالة واحدة أربعين سنة والصادق يتقلب في الساعة الواحدة أربعين مرة، مع لزومه العلم والأدب في كل ذلك.


(١) في خ: الرأفة ولعلها المراقة.

<<  <   >  >>