للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الثالثة: طائفة اعتقدت الاختصاص ببعض الجهات، فإذا ذكر صلحاء المغرب مثلا لم يقبلوا شيئا من أحوالهم، وإذا ذكر صلحاء المشرق، قالوا:

نعم، أولئك هم الناس، من شأنهم كذا ومن شأنهم كذا، وبالعكس، وهذا لا تجده إلا في أهل كل جهة ينكرون من معهم ويعتقدون الغائب عنهم، لوجود الألفة بهذا، واستغراب هذا، وهو من قوة دائرة الوهم، وقد تكون من كون العصبية في النفس (١)، مما هو شأن أولاد المرابطين وذريتهم، والله أعلم.

الرابعة: طائفة اعتقدت الاختصاص ببعض الصفات والأعمال، وأعظمهم في ذلك جماعة اعتقدت وجود العصمة في الولاية (٢) فاطرحوا كل من رأوه موصوما بوصف البشرية، أو من وقع في أمر ربما يتنقص به حاله من مكروه أو شبهة، فحرموا بذلك من بركات ما عاينوه من السادة.

وطائفة على العكس من هذا، اعتقدوا الإباحة للولي في كل ما يتناوله أو يأتيه، حتى لو رأوه على محرم ما أنكروا عليه، وربما دخل عليهم فيه بعض الناس، فكان ضالا مضلا، وهو فيما وقع فيه إما عاص إن وقع مرة بحسب غلبة الشهوة والقدر الجاري، أو فاسق إن تكرر منه ذلك ودام مع الإصرار، وذلك ينفي الولاية، أو صاحب حال يسلم له ولا يقتدى به، ويطلب منه حق الله، ولا يهزأ به، أو محكوم له بحكم المجانين في ظاهره، بحيث تسقط عنه الأحكام، ويعتنى به لما قام بقلبه.

فقد قال بعض المحققين: ما زال يختلج في نظري أن المجذوب فاقد عقل التكليف، فكيف تنسب له الولاية، حتى فتح الله سبحانه: بأن العقل الذي ناط به الشرع التكليف، هو عقل تدبير المعاش، فإذا فقد عاد الإنسان كالبهيمة في العالم، يعرف مصالح جسمه الحالية دون غيرها، فصار له


(١) هذا الطبع مستحكم في النفوس، ولذا لا يجد العالم الاحترام اللائق به بين أهله وذويه في حياته، فإذا مات سمحت أنفسهم بتعظيمه.
(٢) لا عصمة لأحد غير الأنبياء، سئل الجنيد: أيزني الولي؟ فأجاب: {وكان أمر الله قدرا مقدورا}، وقد تقدم انظر ص ٥٠.

<<  <   >  >>