للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

وقد قال الشيخ أبو الحسن الشاذلي (ض): ليكن همك ثلاثا: التوبة والتقوى والحذر، وقوها بثلاث: الذكر والاستغفار والصمت عبودية لله، وحصن هذه الستة بأربع: الحب والرضى والزهد والتوكل، وإذا فاتتك التقوى في الاستقامة فلا يفوتنك في التوبة والإنابة انتهى، وهو عجيب جامع لأصول التوجه فاعرف حقه.

الثاني: تحقيق التقوى باتباع الأوامر والانكفاف عن الزواجر، وهو معنى اجتناب المحارم المذكور في التوبة، فبين التقوى والتوبة تداخل، غير أن منتهاها مبتداه، ومنتهاه (١) ترك ما لا بأس به حذرا مما به البأس، بل ترك ما يحيك في الصدر، لقوله (ص): "الإثم حزاز القلوب" (٢) ولا يبلغ الرجل درجة المتقين حتى يدع ما حاك في الصدر، وقال (ص): "التقوى هاهنا" (٣) وأشار إلى صدره، وحاصل هذا الباب ترك المحرمات المشهورة المتفق عليها، والتحفظ في ذلك حتى تنطع به النفس، ثم الاعتناء بترك الشبهات حتى لا يقبلها القلب، تم التبرؤ من مواقع الاشتباه بالإمكان، وهي درجة الورع، رزقنا الله ذلك بمنه وكرمه.

الثالث: وجود الاستقامة في جميع الأحوال باتباع السنة دون تأول ولا ترخص، ولا تشديد يخرج عن الحق، بل بإقامة الحقوق، والإعراض عن كل مخلوق، ومدار ذلك على أربعة أمور:

ضبط الأوقات، والتحرر من الآفات، والتحصن من التقلبات، والتأدب مع الحالات.


(١) أي: منتهى التوبة مبتدأ التقوى، ومنتهى التقوى على حد قول المؤلف: ترك ما لا بأس به حذرا مما به بأس.
(٢) عزاه الحافظ العراقي في تخريج أحاديث الإحياء ١/ ٢٥ إلى البيهقي في شعب الإيمان من حديث ابن مسعود، قال: ورواه العدني في مسنده موقوفا عليه، وذكره ابن الأثير في النهاية ١/ ٣٧٧ بلفظ: "الإثم حواز القلوب"، أي: من الأمور التي تحز في القلوب وتأثر فيها، وهو ما يخطر فيها من أن يكون معاصي، لفقد الطمأنينة إليها.
(٣) مسلم ٤/ ١٩٨٦.

<<  <   >  >>