للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

الطريق الأول: طريق المغاربة، ومبناه على أوصاف النفوس المركبة فيها، وما أفسد حسنها وقوي سيئها، فإذا عرفوا ذلك قابلوه بما يصلح لإزالته أو إضعافه، وجريهم في ذلك على طريق أصحاب التدبير، مستندين لقوله (ص): ((الناس معادن كمعادن الذهب والفضة)) (١)، الحديث، قالوا: فأصل النفوس كلها الطهارة والاستقامة، كما أن أصل المعادن الذهب والفضة، ودخلت على هذه أوصاف البشرية المناقضة للعبودية، فأفسدتها كما دخلت الكباريت على الأخرى فأفسدتها، فيحتاج إلى النظر في تمييز العيب، ثم العمل في إزالته بوجهه الخاص به على مراتبه وترتيبه.

الطريق الثاني: طريق أهل اليمن، وهو أنهم يرون القلوب أراضي، فمنها ما يصلح للحرث، ومنها ما يصلح لاستجماع الماء، ومنها ما لا يصلح لشيء من ذلك، فيعاملون كلا بما يليق به، عملا بقوله (ص): ((مثل ما بعثني الله به من الهدى والعلم كمثل غيث أصاب أرض)) (٢) الحديث، وبقوله تعالى: {أنزل من السماء ماء فسالت أودية بقدرها} (٣) الآية، فهي كالحجارة أو أشد قسوة، فيحتاجون إلى تمييز الصالح من غيره، وحينئذ يلقون فيه ما يليق به من البذور، ويعملون فيه بما ينميه ويصلحه.

الطريق الثالث: طريق الأعجام، وهو أنهم يرون القلوب أواني، فينظرون لما ألقي فيها، فينمونه، لقوله (ص): ((القلوب أواني الله، فخيرها ما رق وصفا، وشرها ما غلظ وجفا)) (٤) الحديث، ولذلك كان مشايخهم


(١) خرجه مسلم رقم ٢٦٣٨، من حديث أبي هريرة (ض) عن النبي (ص) بلفظ: ((الناس معادن كمعادن الفضة والذهب ... إلخ)).
(٢) متفق عليه، من حديث أبي موسى (ض) عن النبي (ص)، انظر البخاري مع فتح الباري ١/ ١٨٥، ومسلم حدث رقم ٢٢٨٢.
(٣) الرعد ١٧.
(٤) جاء في الفردوس حديث رقم ٦٨٦ عن عبد الله بن عمر (ض): ((إن لله عز وجل في الأرض آنية، وهي القلوب، فأحبها إلى الله ما رق وصفا وصلب، فأما الرقة فعلى الإخوان، وأما الصفا فمن الذنوب، وأما الصلابة فأن يتكلم بالحق لا يخاف في الله لومة لائم))، وانظر مصف ابن أبي شيبة ٧/ ٢٤١ والحلية ٦/ ٩٧ وهو في الزهد لأحمد بن حنبل من كلام خالد بن معدان الزهد ١/ ٣٨٤.

<<  <   >  >>