للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

بها، أو قال بذلك فيها إمام المريد في ديانته، فهي نور وعليها تنزل قوله (ص): ((إن الله يحب أن تؤتى رخصه كما يكره أن تترك عزائمه)) (١).

مثال ذلك القصر في السفر، والترفق في العمل، والإفطار بدلا من صيام الدهر، ومباسطة الأهل، والكذب في الإصلاح بين الناس حيث يؤمن، إلى غير ذلك مما ندب إليه أو أبيح، غير مقيد بضرورة أو تقيد بمصلحة شاملة النفع في نظر الشارع، وكذا كل شهوة في طيها قربة، غير أنه ينبغي له أن يتثبت فيها، بأن لا يقدم عليها ابتداء دون تحقيق المناط فيها، مثاله أن تدعوه نفسه لأهله في النكاح، وتبدي له علة من خوفه على نفسه التشوف أو إعفافه أهله ونحو ذلك، فلا يجيبها بأول مرة، بل يتوقف إلى تحقيق ما تدعيه بوجه لا شك فيه، وكذلك إذا طلبته بتناول شهوة من مأكول ونحوه، فليعزلها عن الطلب والتشوف بالإياس حتى لا تعتاد ذلك.

ثم إن جاءت من وجه مباح دون تسبب ولا تعريض ولا إشراف، فلا يتركها، لأن الشهوات لا تترك لذاتها، بل لما تؤدي إليه من الغفلة أو التحامل على ما لا ينبغي، أو الإغماض (٢) في خلاف الحق، أو تفويت مندوب بسببها، فلذلك تركها القوم لا لذاتها، ولذلك أشار الأثر المروي عن بعض الأنبياء: أن الله تعالى أوحى إليه حذر قومك الشهوات، فإن القلوب المعلقة بشهوات الدنيا عقولها محجوبة عني (٣) وقال (ص): ((المؤمن يأكل بشهوة أهله ...)) (٤) الحديث.


(١) تقدم في فصل ٤١.
(٢) في ت ١: الاغماق.
(٣) مروي عن كعب الأحبار في حلية الأولياء ٥/ ٣٨٢ وتاريخ ابن عساكر ٧/ ٤٣٠ أن جبريل أتى آدم وقال له وذكره، وفي الحلية ٩/ ٢٦٠ نسبه أبو سليمان الداراني إلى داود عليه السلام.
(٤) ذكره الحافظ السخاوي والعجلوني بلفظ: ((المؤمن يأكل بشهوة عياله، والمنافق يأكل بشهوة نفسه))، وعزاه إلى الديلمي في مسنده عن أبي أمامة مرفوعا، ويروى عن عمر بن الخطاب: (كفى سرفا ألا يشتهي رجل شيئا إلا اشتراه فأكله)، وسنده منقطع، انظر المقاصد الحسنة ص ٤٣٩، وكشف الخفاء ٢/ ٤٠٨.

<<  <   >  >>