للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

(متدين) (١) ولا يدوم عليها إلا مخدوع، وأكثر ما يغتر بهذا النوع أهل البلاد المصرية، وهي سوسة من النفحات الإسرائيلية، كالتهاون بكشف العورة عندهم لذلك ولغيره.

ثم الوسوسة تجمع لصاحبها الكبر والرياء وسوء الظن بالله وعباده، مع إعجابه بنفسه، لأنه لو لم ير نفسه، ما ميزها عن جمهور المسلمين، ولو حسن الظن بهم لكان مثلهم، ولولا سوء ظنه بالله ما تعمق في الدين، ولقد تصفحت أحوال الموسوسين، فما رأيت من يتوسوس فى شيء يوفيه حقه، بل رأيت الموسوس في الطهارة قل أن يصلي بها إلا ناقصة، ويقع في أمور محرمة، والموسوس في الصلاة قل أن يصليها تامة، والموسوس في الطعام قل أن يأكل لقمة صافية، وربما وقع في محرم من رياء أو رؤية نفسه، أو احتقار مسلم، أو سوء ظن به دون وجه واضح، أو تغيير قلب مسلم في أمر خفيف، وإني لا أقضي العجب من كثير من الناس، إذا أخذ في الطهارة جننه الوسواس، وإذا عن له شيء من الدنيا توثب عليه من غير توقف، بل قد قال العلماء (ض): خلق الله المال حلالا كما خلق الماء طهورا، حتى لا ينجسه إلا ما غيره، وهذا لا يمنعه إلا ما غيره، إلا أن السلف (ض) رأوا تحفظ النفوس في العبادات وتساهلها في الكسب، فتحفظوا في الكسب، وتساهلوا في العبادة، وهذا خلاف حال أهل هذا الزمان، ولا سيما أهل الزوايا والمتصدرين للشفاعات ونحوها، فإنهم يأكلون الحرام النص، ويظنون أنهم على شيء، فهذا رسول الله (ص) قد قال: ((من شفع لأخيه شفاعة فأهدي له لأجلها هدية، فقد فتح على نفسه بابا عظيما من الربا)) (٢) الحديث، وهم يقصدون ذلك ويتهافتون عليه، نسأل الله السلامة.

...


(١) في خ وت ٢.
(٢) رواه أبو داود من حديث أبي أمامة (ض) بلفظ: ((فأهدى له هدية عليها، فقبلها، فقد أتى بابا عظيما من أبواب الربا))، قال المنذري: في سنده القاسم بن عبد الرحمن الأموي، فيه مقال، والحديث مخرج في صحيح سنن أبي داود رقم ٣٠٢٥ والرمز له: حسن، انظر سنن أبي داود ٣/ ٢٩١، وعون المعبود ٩/ ٤٥٧.

<<  <   >  >>