للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إنما يفهم عنك من أشرق فيه ما أشرق فيك، ثم من صاب غاب (١) ومن جد وجد، ومن عرف ما وصف، لوجود الغيرة المركبة في البشر عند الاطلاع على كل جميل، والانفراد به، ولكن الجهل ورؤية النفس بعين التعظيم هو الحامل على مثل هذه الأمور، إذ لا يرضى أحدهم بأن يكون منسوبا لأحد الأولياء، ولا يرضى الآخر في بلائه أن يكون كأحد الصالحين والفقراء (٢)، ويعضده في ذلك بعض المساعدات النفسانية والحركات الشيطانية، أو الحقائق الوجدانية، فيزيده وهمه ويبعده عن دائرة فهمه، وربما تكلم في ذلك من حيث الاستدلال بالشواهد، وهي لا تفي بالمقصود، وقد أدبنا رسول الله (ص) في ذلك بقوله: ((إذا مدح أحدكم أخاه فليقل: أحسبه، ولا أزكي على الله أحدا)) (٣)، وقال (ص): ((ثلاث منجيات، ... وذكر منها العدل في الرضى والغضب)) (٤)، الحديث، نعم، قد نثبت صلاح رجل بشواهد أحواله، كما نثبت إيمانه، ونحن في ذلك على حق، لاتساع رتبة الصلاح، ولقوله (ص) في ابن عمر: ((إن عبد الله رجل صالح)) (٥)، إلى غير ذلك، نعم، ونرى ولايته بشواهد أحواله أيضا، لوجود الدلالة مع اتساع الموقع، إذ نثبت بالولاية العامة: {الله ولي الذين آمنوا} (٦)، وقد أثبت سعد (ض) إيمان الرجل عنده (ص)، وحلف على ذلك، فلم يرده (ص) إلا


(١) أي: شأن الفالحين وأهل الصواب الاستتار وترك الحديث عن النفس.
(٢) لا يكفيه مجرد ذلك، بل يتجاسر على دعوى المقامات لنفسه أو لغيره رجما بالغيب.
(٣) الحديث متفق عليه البخاري رقم ٥٧١٤ ومسلم ٣٠٠٠.
(٤) ذكر الذهبي في الميزان في ترجمة حميد بن الحكم من حديث أنس وذكر قول ابن حبان عنه: إنه منكر الحديث جدا. وقال ابن حبان عنه في (المجروحين): لا يجوز الاحتجاج بخبره إذا انفرد. انظر المجروحين ١/ ٢٦٣ وميزان الاعتدال ١/ ٦١١.
(٥) قاله النبي (ص) لعبد الله بن عمر حين ذكرت له الرؤيا التي رآها، وحضه عند تفسيرها له على قيام الليل، فقال: ((إن عبد الله رجل صالح لو كان يقوم من الليل))، فلم يزل عبد الله بعد ذلك يكثر الصلاة من الليل، البخاري مع فتح الباري ١٦/ ٧٨.
(٦) البقرة ٢٥٧.

<<  <   >  >>