للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

إحساسه أم لا، فإن غاب عن إحساسه، فلا يخلو إما أن يستفيد في غيبته علما أم لا، فإن استفاد علما فوجده صحيح، لأن الشيطان لا يقدر أن يغيبه عن إحساسه ويفيده علما، لكنه يظهر عليه بأحد الأمرين: إما أن يغيبه عن إحساسه، وإما أن يجري على لسانه شيئا يشبه الحكمة وليس بها، وعلامة ذلك أن يحدث له في جسده اضطراب عند الإحساس ولا يتأثر صاحبه به، إلا من حيث الاستلذاذ الطبيعي، فلا يظهر فيه ولا في سامعه إلا نقيض ما دل عليه مسموعه، لأن الحق إذا أتى من بساط الباطل عاد عليه شؤم بساطه، فكان عينه (١) لذلك.

قيل لحمدون القصار (٢): ما بال كلام السلف أنفع من كلامنا؟ قال: لأنهم تكلموا لعز الإسلام وحياة القلوب، وأنتم تكلمتم لنصرة النفوس وظهور المرتبة، انتهى بمعناه لا بلفظه لطول العهد به.

ثم الخواطر باعتبار جهاتها أربعة: الملك عن يمين القلب، والشيطان عن يساره، والنفس من خلفه، والخطاب الإلهي يأتيه من أمامه، ووجه القلب لناحية الظهر، كذا ذكره ابن أبي جمرة، ولا أدري من أين نقله، وهو صحيح في الوجدان، وباعتبار عرضها: فالملكي مثل غبش الصبح، والشيطاني مثل شعلة النار، يحدث به احتراقا وهوشة في البدن، والرباني كالشمس الضاحية، مع برودة تثلج الصدور ويتنعم بها، والنفساني مثل الفجر الكاذب، قائم واضح تعقبه الظلمة، ويظنه الظان حقيقة وليس بها.

وباعتبار أفعالها: فالشيطان متردد ولا يأتي إلا بشر أو بخير لا يعضده دليل، ويضعف بالذكر، والملكي متردد أيضا، لا يأتي إلا بخير معضود بالدليل، يقوى بالذكر، والرباني نكتة إلهامية في توحيد خاص، وهو راتب مصمم، فإن لم يكن في التوحيد الخاص، فهو لا يأتي إلا بخير، وقد


(١) أي: عين الباطل.
(٢) حمدون بن أحمد بن عمارة أبو صالح القصار النيسابوري، شيخ مذهب الملامة في نيسابور ومنه انتشر مذهب الملامة، كان عالما فقيها (ت ٢٧١ هـ) طبقات الصوفية ص ١٢٣.

<<  <   >  >>