للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

القائل بما ذكر لعدم القاطع، ولو كان الأمر صحيحا في نفسه، لأنا لو ألزمنا بذلك لكانت زيادة عقيدة في الدين على غير أصل ومستند صحيح.

ثم ظهر بعد هذا الشيخ من تلامذته من ادعى أنه يأخذ عن الخضر الأحكام، فدعا الناس لاتباعه، وحملهم على أمور مفارقة لأصل الملة المحمدية فيما ذكر لنا، واحتج في ذلك بقصة الخضر مع موسى (١) واحتجاجه باطل، لأن موسى (س) إنما التزم التسليم له لا اتباعه فيما يأمره به من صورة المنكر، وهو إنما ألزمه الصبر عليه لا وجود (٢) اتباعه والعمل بمثل فعله، مع أنه لم يأت بأمر ينكره عليه العلم في نفس الأمر حسبما دل عليه كلامه، حين بين له الوجوه التي يعرفها، فلم يأت إلا بما هو جائز في الشرع، وإنما اختصر باطلاعه على السبب دون غيره، وهذا على تسليم أنه نبي، وهي مسألة متنازع فيها بين أهل العلم، ومع ذلك فلم ينقل عنه حكم خاص غير ما ذكر من التصرف الخارق للعادة، وقد مر ما فيه، ثم هب أن الخضر (س) يأتي بالأحكام، فشريعة نبينا


(١) جزم جماعة من العلماء بأن الخضر غير موجود الآن منهم البخاري وإبراهيم الحربي وابن العربي وابن عطية وطائفة غيرهم، وحجتهم قول النبي (ص): "لا يبقى على وجه الأرض بعد مائة سنة ممن هو عليها اليوم أحد"، يعني بعد القرن الذي كان فيه رسول الله (ص)، ولم يأت في خبر صحيح أنه جاء إلى النبي (ص)، مع أن النبي (ص) قال: "رحم الله موسى لوددنا لو كان صبر حتى يقص علينا من أخبارهم"، فلو كان الخضر حيا لحضر إليه.
وقال جماعة: هو حي لا يموت إلا في آخر الزمان، قال ابن الصلاح: هو حي عند جمهور العلماء، وإنما شذ بإنكاره بعض المحدثين، ووافقه النووي، وقال النووي: ذلك متفق عليه بين الصوفية وأهل الصلاح، وقال عن الحديث السابق: لا يبقى على وجه الأرض إلخ، إن الخضر مخصوص منه كما خص إبليس بالاتفاق، لكن يقال: جاء النص بتخصيص إبليس، فأين النص بتخصيص الخضر؟
والأحاديث الواردة في اجتماعه بالنبي (ص) كلها ضعيفة، ولا يثبت شيء منها يدل على بقائه الآن، انظر فتح الباري ٧/ ٢٤٥ وانظر في الرد على الاحتجاج بقصة الخضر مع موسى كتابي الغلو في الدين ص ٣٦.
(٢) لعل الصواب: (وجوب).

<<  <   >  >>