للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قلت: فأما بعد صلاة الصبح فهو وقت لذلك شرعا، وحقه أن يتوزع بين تلاوة وذكر ودعاء وفكر، حسبما دلت عليه نصوص الشريعة، ونص عليه الأئمة كأبي طالب المكي والغزالي وغيرهما، فإقصاره على ما تقصرونه عليه تعد على الشارع، إلا أن يكون في حق مريد خاص، مداواة لعلة قلبه عند إشرافه حتى تتمكن الحقيقة من نفسه فلا بأس به لضرورة التداوي، فإن الضرورات لها أحكام تخصها لا يصح أن تتعدى إلى غيرها في كل فن وباب، والله أعلم.

ثم ما تريدونه في ذلك من حزب السلام وقراءة الواحد وسماع الجميع مخالف أيضا، إلا أن تدعوا أنه من باب التذكير، لأن السماع المجرد أدعى للتأثير، ولكن ليس بعلم حتى يكون لكم في سماعه وإسماعه مستند، وإنما هو ذكر والذكر مطلوب من كل أحد، وهذا إن سلم مما فيه من التعريض بالمنكرين، والله أعلم.

نعم وكون الذكر بالجمع والجهر على وزن معلوم عندكم لا يليق، لما فيه من الخلاف والدخول في الشبهة لغير ضرورة شرعية، فإن قلتم: من باب التعاون والوعظ، قلنا: قد يسوغ، ولكن الاسترسال في العجلة آخر المجلس والبلوغ في الأمر إلى حد تحتل معه حروف الكلمة في الذكر أو يختل نظمها لا يفيد شيئا من ذلك، بل يبعد عنه، بل قال بعض العلماء: إن التسكين في هاء (إله) تؤذن بانقطاع الاستثناء وهو كفر بالصورة، وإن لم يكن بالحقيقة والعياذ بالله، فأما ما بعد المغرب فالمطلوب إحياؤه بالصلاة (١) ولكن الذكر فيه غير ضار لعدم تبديل ما جاء في الشريعة أو شيء منها فيه، لأن هذا الوقت لم يخصصه الشارع


(١) ذكر المؤلف إحياء ما بين العشاءين بالصلاة في فصل ١٧: (وأما القسم الثالث فمرجعه إلخ)، وقد ذكر الغزالي في الإحياء جملة من الأحاديث في ذلك، وكلها ضعيفة أو باطلة، كما في تخريج الحافظ العراقي، وقد ذكر المؤلف نفسه في فصل ٣٧: (في تفويتهم صلاة العشاء)، أن حديث إحياء ما بين العشاءين فيه ما فيه، وقد ورد في الركعتين بعد المغرب أحاديث صحيحة، انظر الإحياء ١/ ٢٠٤ و٣٥١ و٣٥٦.

<<  <   >  >>