للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فقال حين أفاق ما قلت شيئًا إلا قيل لي أنت كذلك" (١) فكيف هي حالها اليوم وقد بلغها أن عبد الله لن يعود بعد اليوم إلى المدينة .. يقول أحد الصحابة "أغمى على عبد الله بن رواحة بهذا .. فلما مات لم تبك عليه" (٢) بكاء النواح والعويل الذي حدث منها في السابق بل بكته بكاء المؤمنة بقضاء الله وقدره التي تحتسب ما بها من حزن وأسى عند الرؤوف الرحيم بها وبأخيها ..

هذه هي أجواء المدينة وتلك هي همومها .. أما على أرض مؤتة فاليتم له طعم آخر .. الأيتام هناك لم يعودوا صغارًا .. وعندما يكون اليتيم رجلًا فصفات الفقيد أعظم من أن تحيط بها جدران المنزل والقلوب .. على أرض مؤتة شعر بعض المساكين بيتم مرير .. وأبو هريرة أكثر من عانى ووصف وباح فقال: "ما احتذى النعال ولا انتعل ولا ركب المطايا ولا لبس الكور بعد رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أفضل من جعفر" (٣)

قال أبو هريرة ذلك مأخوذًا بسلوك جعفر وكرمه تجاهه وتجاه غيره من المساكين وهو سلوك يرتقى إلى مستوى الإسلام .. أبو هريرة المسكين الذي نحت الجوع على وجهه لغة لا يقرأها إلا جعفر والنبي -صلى الله عليه وسلم- يبكي على جعفر الممدد أمامه .. يبكي على الجود الممدد على أرض مؤتة .. يبكي على يديه اللتين طالما قدمتا له وأعطته وواسته وكأنهما انفصلتا عن جسده لتقديم المزيد من العطاء .. يتحدث أبو هريرة عن تلك اللغة التي


(١) البخارى ٤ - ١٥٥٥.
(٢) البخاري ٤ - ١٥٥٥.
(٣) سنده صحيح رواه ابن سعد ٤ - ٤١ وغيره من طريق خالد الحذاء عن عكرمة عن أبي هريرة وخالد تابعي صغير ثقة وعكرمة إمام معروف وخالد عن عكرمة على شرط البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>