للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فبينا هم في ذلك، طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فأقبل يمشي حتى استلم الركن، فلما مر بهم طائفًا بالبيت، غمزوه ببعض القول، فعرفت ذلك في وجه رسول الله صلى الله عليه وسلم، فمضى، فلما مر بهم الثانية؟ غمزوه بمثلها، فعرفتها في وجهه، فمضى ثم الثالثة، فغمزوه، فوقف، ثم قال: أتسمعون يا معشر قريش، أما والذي نفسي بيده، لقد جئتكم بالذبح. فأخذت القوم كلمته، حتى ما منهم من رجل إلا وكأنما على رأسه طائر (١) واقع، حتى إن أشدهم فيه وصاة قبل ذلك ليرفؤه (٢) أحسن ما يجد من القول، حتى إنه ليقول: انصرف يا أبا القاسم فما أنت بجهول.

فانصرف رسول الله صلى الله عليه وسلم، حتى إذا كان الغد اجتمعوا في الحجر، وأنا معهم، فقال بعضهم لبعض: ذكرتم ما بلغ منكم وما بلغكم عنه، حتى إذا بادأكم بما تكرهون تركتموه، فبينا هم على ذلك طلع رسول الله صلى الله عليه وسلم، فوثبوا عليه وثبة رجل واحد، فأحاطوا به يقولون: أنت الذي تقول كذا وكذا -لما كان يبلغهم عنه من عيب آلهتهم ودينهم- فيقول رسول الله صلى الله عليه وسلم: نعم. أنا الذي أقول ذلك، فلقد رأيت رجلًا منهم أخذ بمجامع ردائه وقام أبو بكر الصديق رضي الله عنه يبكي دونه) (٣) وذكر عبد الله بن عمر اسم ذلك الجلف فقال: (أقبل عقبة بن أبي معيط _ورسول الله يصلي عند الكعبة- فلوى ثوبه في عنقه، فخنقه خنقًا شديدًا، فأقبل أبو بكر رضي الله عنه، فأخذ. بمنكبيه، فدفعه عن رسول


(١) أي أنهم قد سكتوا وخيم السكون عليهم.
(٢) يداريه.
(٣) سنده صحيح. رواه ابن إسحاق ومن طريقه البيهقى (٢/ ٢٧٥)، حدثني يحيى بن عروة، عن أبيه عروة قال: قلت لعبد الله بن عمرو بن العاص: ما أكثر ما رأيت قريشًا أصابت رسول الله صلى الله عليه وسلم فيما كانت تظهره من عداوته، وهذا السند قوي: ابن إسحاق لم يدلس، ويحيى بن عروة ثقة. انظر (التقريب ٢/ ٣٥٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>