للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

بالسياحة في الحلم بل بأسلوب المأخوذين بإنجاز الحلم .. كيف لا وهو يسير خلف هذا النبي العظيم الذي ينحدر كالسيل نحو مكة العطشانة .. ولما وصلها لم يجد في طرقاتها سوى الهواء النقي والذكريات الجميلة والمريرة .. هنا ولد وهنا كان يتهادى طفلًا وهنا كان يلعب مع أبي بكر وأصحابه .. وهنا كانت أمه الحبيبة تناديه وتحمله وتلاعبه .. هنا كان يسير مع جده وعمومته وأبناء عمومته .. هنا التقي بخديجة وهنا تزوجا وهنا ولدت زينب وفاطمة وأم كلثوم ورقية .. من هنا جاء يخبر خديجة عن جبريل .. وهنا دعا الناس وهنا كذبه الناس وهنا صدقوه وهنا ناصروه وهنا خذلوه وعذبوه .. هنا مكة ما أطيبها وأطيب ريحها .. ذكريات تطوف لا شك بروح أبي بكر وبلال وعمر وعمار وعلي وعثمان وخباب وصهيب وبقية المهاجرين من مكة .. لا بد أن بعض الدموع والزفرات خالطت فرح السير في طرقات مكة الجميلة ..

مواكب الإيمان الجارفة ونشوة النصر العظيم لا تسكر الفرسان المؤمنين عن شكر الله وذكره .. يقول أحد الصحابة الذين كانوا يرقبون النبي - صلى الله عليه وسلم - يوم الفتح وينصتون إليه:

"رأيت رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يوم فتح مكة على ناقته وهو يقرأ سورة الفتح يرجع" (١) أي يردد القراءة في الحلق.

كان لسانه ممتنًا لله الذي أكرمه بنصره .. ولم يكن لسانه هو الممتن فقط كان قلبه بل كانت طريقته وهو يتقدم ذلك الجيش الضخم الممتزج بعظماء الرجال تنضح بالتواضع في أرقى صوره وأعظمها .. لم يكن - صلى الله عليه وسلم - وحده على ناقته .. لم يكن مردفًا أبا بكر سيد المهاجرين ولا سعد بن عبادة سيد الأنصار


(١) صحيح البخاري ٤ - ١٥٦٠.

<<  <  ج: ص:  >  >>