للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قصر .. وكان من عادة النبي - صلى الله عليه وسلم - أن يقصر الصلاة إذا خرج من المدينة مسافة تقارب الأربع وعشرين كيلو مترًا .. يقول أنس بن مالك "كان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - إذا خرج مسيرة ثلاثة أميال أو ثلاثة فراسخ صلى ركعتين" (١) والقصر هو أن يؤدي الصلاة ذات الأربع ركعات ركعتين بدلًا من أربع طوال أيام السفر .. وهذا ما فعله النبي - صلى الله عليه وسلم - مدة بقائه في مكة .. حيث كانت تلك الأيام عبارة عن إعطاء الطلقاء فرصة لتغيير الزاوية التي كانوا ينظرون من خلالها إلى النبي - صلى الله عليه وسلم - .. زاوية الحسب والنسب والقبيلة والعادات والتقاليد والتنافس والثأر لينتقلوا إلى زاوية أخرى حيث الصفاء والعقل والاتزان والتجرد من أثقال الموروثات البالية .. تسعة عشر يومًا يفز فيها أكثر من عشرة آلاف مؤمن للصلاة يحيطون بالكعبة ويملأون البيت الحرام خمس مرات في اليوم والليلة .. في سكون وحركات خاشعة رائعة موحدة راكعة ساجدة خلف رجل واحد هو محمَّد - صلى الله عليه وسلم - .. مشهد مهيب وجليل اختفت فيه الأصنام والأزلام وبقي فيه التوحيد نقيًا دون شوائب .. مشهد مهيب أخذ عقول الطلقاء إلى المقارنة بين صلاة هؤلاء المؤمنين الخاشعين الراكعين الساجدين وبين صلاتهم المليئة بالجهل والتخلف والهمجية {وَمَا كَانَ صَلَاتُهُمْ عِنْدَ الْبَيْتِ إِلَّا مُكَاءً وَتَصْدِيَةً} أي ما كانت صلاتهم إلا تصفيرًا وتصفيقًا كما كانت تعريًا أيضًا .. وقد تمكن - صلى الله عليه وسلم - من استمالة كل مكة إلى الإِسلام في تلك الفترة القصيرة حتى هذه المرأة زوجة أبي سفيان التي كانت تحمل ضد النبي - صلى الله عليه وسلم - وأصحابه ثارات وأحقادًا سوداء تتجه إليه مختارة طائعة


(١) حديث صحيح رواه مسلم ١ - ٤٨١. وبعد كلمة فراسخ قال الراوي: "شعبة الشاك" أي الذي تردد في الجزم بأنها ميل أو فرسخ هو أمير المؤمنين في الحديث شعبة بن الححاج وليس أنس فيؤخذ بالأكثر لأنه الذي لا شك في والفرسخ مسافة تقارب ثمانية كيلو مترا.

<<  <  ج: ص:  >  >>