للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يقول ابن عمر: (فعجبت من عزه) (١).

ولم يكن عز هذا الرجل بأعظم من إجابته المفحمة لفلول الكفر .. إنه يرفض مبدأ قريش في تكميم الأفواه وتقييد الحريات .. فالرجال أحرار في اعتناق ما يرونه .. وعمر حر في اعتناق ما رآه صوابًا وحقيقة .. فلماذا التبرم يا قريش؟ صمتت قريش لأنها تفتقر إلى أسلحة العقل والإقناع .. لا تملك شيئًا يبرر أصنامها وطقوسها .. إنها تملك صراخًا وضجيجًا تزاحم به أجواء الحوار الهادئة .. فإذا ما ماجت الساحة بالفوضى والغبار والضجيج، مَرَّرَت ما تريد وفرضت ما تشتهي .. وأبقت الدعاة في جو من الخوف والرعب فربما يتراجعون عن رسالتهم التي تخطف القلوب والعقول بهدوءٍ من صفوف قريش .. لكن رسول الله صلى الله عليه وسلم استمر في هدوئه ودعوته .. يزداد سكينة كلما ازدادوا شراسة .. ويبشر كلما عسروا وشددوا .. ويبتسم كلما كشروا عن أنياب دامية .. ويلاطف الناس جميعًا بأسلوب ساحر آسر .. كله حب وشفقة .. كله ود وجمال .. كأنه خرير ماء .. كأنه ساحة من الزهور فسيحة .. هذا الأسلوب جعل معسكر الكفر يفقد أعصابه وأفراده .. فبالأمس كانت قريش تفقد أفرادًا ربما لم يكن لهم تأثير .. أما اليوم فهي تفقد أقوياء مفتولين كالحديد .. ها هو حمزة ينسحب منهم .. ويتبعه عمر بن الخطاب .. وها هم الضعفاء يقتربون من الكعبة .. يطوفون بها .. بل يصلون عندها .. وها هو أحدهم .. راعي الغنم الفقير .. يقول: (ما زلنا أعزة منذ أسلم عمر) (٢).

فقد وجد بعض المسلمين ساحة آمنة يركعون فيها ويسجدون قرب الكعبة.


(١) حديث صحيح. رواه البخاري في (المناقب).
(٢) حديث صحيح. رواه البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>