للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

[آخر خطبة للنبي (صلى الله عليه وسلم)]

يقول ابن عباس: "خرج رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في مرضه الذي مات فيه عاصبًا رأسه بخرقة .. فقعد على المنبر فحمد الله وأثنى عليه ثم قال: إنه ليس من الناس أحد أمن علي في نفسه وماله من أبي بكر بن أبي قحافة ولو كنت متخذًا من الناس خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا ولكن خلة الإِسلام أفضل سدوا عني كل خوخة في هذا المسجد غير خوخة أبي بكر" (١)

كان أبو بكر محورًا من محاور تلك الخطبة .. كان أكثر الناس استيعابًا لمعناها وأشد الناس تأثرًا بها فقد سالت دموعه وسالت ولم تتوقف إلا بعد رجاء الحبيب محمَّد - صلى الله عليه وسلم - الذي ناشده أن يتوقف عن البكاء .. وكيف لا يبكي أبو بكر وهو يرى نبيه وصاحبه وصديق طفولته وشبابه وشيخوخته يهم بالرحيل .. يقول أبو سعيد الخدري: "خطب النبي - صلى الله عليه وسلم - فقال إن الله خير عبدًا بين الدنيا وبن ما عنده فاختار ما عند الله .. فبكى أبو بكر رضي الله عنه [وبكى فقال: فديناك بآبائنا وأمهاتنا] فقلت في نفسي: ما يبكي هذا الشيخ إن يكن الله خير عبدًا بين الدنيا وبين ما عنده فاختار ما عند الله .. فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - هو العبد وكان أبو بكر أعلمنا .. قال: يا أبا بكر .. لا تبك إن أمن الناس علي في صحبته وماله أبو بكر ولو كنت متخذًا خليلًا من أمتي لاتخذت أبا بكر ولكن أخوة الإِسلام ومودته .. لا يبقين في المسجد باب إلا سد إلا باب أبي بكر" (٢)

وقد جلس على المنبر لشدة المرض وكان "عليه ملحفة متعطفًا بها على منكبيه وعليه عصابة دسماء حتى جلس على المنبر فحمد الله وأثنى


(١) صحيح البخاري ١ - ١٧٨.
(٢) صحيح البخاري ١ - ١٧٧ والزيادة عند مسلم ٤ - ١٨٥٤.

<<  <  ج: ص:  >  >>