للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

عليه ثم قال: أما بعد أيها الناس فإن الناس يكثرون وتقل الأنصار حتى يكونوا كالملح في الطعام فمن ولي منكم أمرًا يضر فيه أحدًا أو ينفعه فليقبل من محسنهم ويتجاوز عن مسيئهم" (١) كان - صلى الله عليه وسلم - يخطب رأفة ورحمة بأمته من أن تمزقها الخلافات بعد رحيله .. بعد هذا الحب الغامر والأخوة الحانية .. بعد هذه الفتوحات وعلو التوحيد وأهله ونظافة الجزيرة من الأصنام والأوثان والجاهلية .. كان يخطب امتنانًا لمن آزره وعاضده في مسيره الطويل المضني .. كان يخطب مؤكدًا أن العواطف نحوه ستتأجج وتجمح بعد رحيله ولا بد للعواطف من سياج وإلا كبحت بأهلها وساقتهم بعيدًا عن التوحيد والهدى .. يقول أحد الصحابة

"سمعت النبي - صلى الله عليه وسلم - قبل أن يموت بخمس وهو يقول: إني أبرأ إلى الله أن يكون لي منكم خليل فإن الله تعالى قد اتخذني خليلًا .. كما اتخذ إبراهيم خليلًا ولو كنت متخذًا من أمتي خليلًا لاتخذت أبا بكر خليلًا .. ألا وإن من كان قبلكم كانوا يتخدون قبور أنبيائهم وصالحيهم مساجد ألا فلا تتخذوا القبور مساجد إني أنهاكم عن ذلك" (٢)

ثم نهض - صلى الله عليه وسلم - نحو بيت عائشة الملاصق للمسجد ليمكث فيه ما تبقى من عمره .. وكان الصحابة رضي الله عنهم يقومون بعيادته والاطمئنان على حاله .. أحدهم عبد الله بن مسعود الذي يقول: "دخلت على رسول الله - صلى الله عليه وسلم - وهو يوعك فقلت: يا رسول الله .. إنك لتوعك وعكًا شديدًا قال: أجل إني أوعك كما يوعك رجلان منكم .. قلت: ذلك بأن لك أجرين قال: أجل ذلك كذلك .. ما من مسلم يصيبه أذى شوكة فما فوقها إلا


(١) صحيح البخاري ٣ - ١٣٨٣.
(٢) صحيح مسلم ١ - ٣٧٧.

<<  <  ج: ص:  >  >>