للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

يا محمَّد، ذلك فيما شئت، إن شئت أن أطبق عليهم الأخشبين (١) فقال النبي - صلى الله عليه وسلم -: بل أرجو أن يخرج الله من أصلابهم من يعبد الله وحده لا يشرك به شيئًا) (٢).

صلى الله عليك يا نهر الحنان .. في اليمين جبل .. وفي الشمال جبل .. لو كنت ممّن ينتقم لنفسه .. لكان دك الجبال يطحن تلك الجماجم .. ولسالت من جبال الطائف دماء يراها أهل مكة .. لكنه - صلى الله عليه وسلم - ما خرج لنفسه .. ولا أحضر شيئًا من عنده .. رفض الانتقام لأنه جاء ليجعل الحياة إيمانًا وسعادة .. وفي قلبه يهتز أمل يتلألأ .. يقول: إن في الأصلاب ربيعًا قادمًا يتنفس الإِسلام.

وعاد الحبيب - صلى الله عليه وسلم - مطرودًا .. جريحًا .. منكسرًا كما خرج ..

فانسل إلى بيته الصغير .. حيث ابنته وريحانته فاطمة .. لا بد أنها بكت وارتفع نشيجها عندما رأت ذلك الشحوب في وجهه الكريم .. عندما رأت الدماء تتلألأ في جروحه .. فسارعت لمواساته ومواساة جراحه .. وربما دمعت عيناه - صلى الله عليه وسلم - عندما رأى ابنته فذكرته بحبيبته خديجة .. وذكره بيته بها .. ففيه عاشا سويًا وها هو الآن شوق .. بينه وبينها تراب على قبر خديجة.

ذكريات مصائب تترى فهل لهذه الأحزان من نهاية؟

لم تكن هناك نهاية .. أمرًا عظيمًا سيحدث .. وتسلية مذهلة .. ستمسح أحزانه السابقة.


(١) جبلا مكة.
(٢) بقية حديث البخاري.

<<  <  ج: ص:  >  >>