للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

كلما أغاروا على مسلم ضعيف لم يجدوه .. لم يجدوا في بيته سوى الجدران .. سوى الرياح تنوح داخله باكية تبحث عن أحبتها فلا تجدهم، أما الأبواب فكانت تصطفق تضطرب كقلب عاشَق مهجور .. فلن تعانق بعد اليوم تلك الأيادي المتوهجة بالوضوء. ما الذي حدث يا مكة .. ماذا فعلت بك تلك الرؤيا التي رآها رسول الله -صلى الله عليه وسلم -:

[رؤيا]

رآها - صلى الله عليه وسلم -، فأسر بها إلى أصحابه المثقلين بقيود قريش. قال لهم: (إني أريت دار هجرتكم، ذات نخل بين لابتين - وهما الحرتان (١) .. فهاجر من هاجر قِبَلَ (٢) المدينة، ورجع عامة من كان هاجر بأرض الحبشة إلى المدينة، وتجهز أبو بكر قبل المدينة. فقال رسول الله -صلى الله عليه وسلم -: "على رسلك، فإني أرجو أن يؤذن لي". فقال أبو بكر رضي الله عنه: وهل ترجو ذلك بأبي أنت؟ قال - صلى الله عليه وسلم -:"نعم". فحبس أبو بكر نفسه على رسول الله -صلى الله عليه وسلم - ليصحبه، وعلف (٣) راحلتين كانتا عنده: ورق السمر (٤) -وهو الخبط- أربعة أشهر) (٥).

جاءت هذه الرؤيا تبعث الأمل من جديد .. بعد أن ضاقت مكة واصطكت جبالها على الموحدين .. بعد أن أصبح الموت يتلصص عليهم .. يرقبهم في الزوايا والممرات متوثبًا يريد الفتك بهم وبدينهم .. فلم المكوث في هذا الاختناق.


(١) الحرة أرض ذات حجارة سوداء كأنها أحرقت بالنار.
(٢) نحو ..
(٣) أطعمها العلف.
(٤) شحرة الطلح.
(٥) حديث صحيح. رواه البخاري (٣٩٠٥).

<<  <  ج: ص:  >  >>