للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

لقد كان أبو بكر طيفًا من الحنان .. سحابة من الحب تظل رسول الله-صلى الله عليه وسلم- كأني به يود لو صنع من جسده درعًا يحمي به رسول الله-صلى الله عليه وسلم- حتى يصل إلى أحبابه المنتظرين في حرة المدينة وبين نخيلها.

فلا عجب أبدًا بعد هذا أن يحمر وجه عمر بن الخطاب غضبًا على رجال فضلوه على أبي بكر .. لقد كان عمر يعرف من هو أبو بكر .. فقد (ذكر رجال على عهد عمر فكأنهم فضلوا عمر على أبي بكر، فبلغ ذلك عمر، فقال رضي الله عنه: والله لليلة من أبي بكر خير من آل عمر، وليوم من أبي بكر خير من عمر، لقد خرج رسول الله-صلى الله عليه وسلم- ليلة انطلق إلى الغار، ومعه أبو بكر، فجعل يمشي ساعة بين يديه، وساعة خلفه، حتى فطن رسول الله-صلى الله عليه وسلم- فقال:"يا أبا بكر ما لك تمشى ساعة خلفي، وساعة بين يدي؟ " فقال: يا رسول الله أذكر الطلب (١) فأمشي خلفك، ثم أذكر الرصد (٢) فأمشي بين يديك. فقال رسول الله-صلى الله عليه وسلم-: "يا أبا بكر لو كان شيء لأحببت أن يكون بك دوني؟ " قال رضي الله عنه: نعم. والذي بعثك بالحق، فلما انتهيا إلى الغار قال أبو بكر: مكانك يا رسول الله حتى استبرئ، فدخل فاستبرأ ثم قال: انزل يا رسول الله. فنزل ثم قال عمر رضي الله عنه: والذي نفسي بيده لتلك الليلة خير من آل عمر) (٣).

ذاك جسد لأبي بكر باعه لله .. وتلك دماء تشخب منه تنقش على


(١) من يسيرون خلفه طلبًا لدمه.
(٢) أي من يترصدون له في طريقه.
(٣) إسنادُهُ صحيحٌ لولا الانقطاع، فقد رواه البيهقي (٢/ ٤٧٦) أخبرنا موسى بن الحسن بن عباد، حدثنا عفان بن مسلم، حدثنا السري بن يحيى، حدثنا محمد بن سيرين قال: وكل هؤلاء ثقات لكن التابعي الإمام محمد بن سيرين لم يدرك عمر، لكن الحديث حسن بما قبله، وبأحاديث ستأتي إن شاء الله.

<<  <  ج: ص:  >  >>