للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

وعرضت عليهم الزاد والمتاع، فلم يرزآني (١)، ولم يسألاني، إلا أن قال: "أخف عنا" فسألته أن يكتب لي كتاب أمن .. فأمر عامر بن فهيرة، فكتب في رقعة من أديم، ثم مضى رسول الله -صلى الله عليه وسلم-) (٢) بعد أن أعطى الأمان لذلك الباحث الذي يريد قتله وحز رأسه، معجزة مخيفة ورادعة ما حدث لسراقة، إذًا فرسول الله - صلى الله عليه وسلم - في حصن حصين لن تصل إليه أيدي المشركين، فلماذا يقول لسراقة: أخف عنا .. لماذا يقولها وهو محاط بهذا الحشد من الخوارق، والجنود التي لا يعلمها إلا الله؟

إنه يقولها لأنه رسول جاء بمنهج من عند الله للبشر، وعلى البشر مهمة نشره هنا وهناك، فبجهدهم ينتشر، وعلى البشر أن يركضوا هنا وهناك بحثًا عن الأسباب الموصلة للنجاح، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - في هجرته يرسم خطًا لا يمكن أن ينتشر الإسلام إلا بالسير عليه، لقد هاجر- صلى الله عليه وسلم - بعد أن خطط ورسم، وتكتم وتلثم، وسار في الليل والناس نيام، ثم جعل نتائج كل ذلك إلى الله سبحانه، إنه لم يتحدث لأبي بكر قبل الهجرة عن معجزات ستحصل في الطريق, لأنه فعل الأسباب كما طلب منه، ثم فوض أمره إلى الله، إن الهجرة تطبيق عملي لقوله - صلى الله عليه وسلم -:

(إن الله يحب إذا عمل أحدكم عملًا أن يتقنه) (٣) فإذا أتقنه فقد انتهى دوره .. وهذه طاقة البشر لا يكلفهم الله فوق طاقتهم .. فإن قبض عليه المشركون وقبضوا على صاحبه .. فقد أديا ما طلب منهما ولا شيء عليهما وإن أكرمهم الله بمعجزة أو خارقة فذلك فضل من الله .. لكن المسلم يأثم إن لم يتقن عمله أملًا في حدوث معجزة أو كرامة تقلب


(١) أي لم يأخذا منه شيئًا.
(٢) حديث صحيح رواه البخاري (٣٩٠٦).
(٣) حديثٌ حسنٌ. انظر صحيح الجامع (٢/ ١٤٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>