للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

تحكى لنا هذه القصة .. تروي لنا كم كان أبو أيوب مسلمًا .. كم كان عظيمًا .. يقول أبو أيوب:

(لما نزل علىَّ رسول الله -صلى الله عليه وسلم- في بيتي نزل في السفل، وأنا وأم أيوب في العلو .. فقلت له: بأبي أنت وأمى يا رسول الله، إني أكره وأُعظِم أن أكون فوقك وتكون تحتي، فاظهر أنت فكن في العلو، وننزل نحن فنكون في السفل. فقال -صلى الله عليه وسلم-:

"يا أبا أيوب إن أرفق بنا وبمن يغشانا أن أكون في سفل البيت". فكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - في سفله، وكنا فوقه في المسكن، فلقد انكسر حب (١) لنا فيه ماء، فقمت أنا وأم أيوب بقطيفة لنا ما لنا لحاف غيرها، ننشف بها الماء تخوفًا أن يقطر على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- منه شئ فيؤذيه.

وكنا نصنع له العشاء ثم نبعث إليه، فإذا رد علينا فضله تيممت أنا وأم أيوب موضع يده (٢) فأكلنا منه نبتغي بذلك البركة، حتى بعثنا إليه ليلة بعشائه وقد جعلنا له فيه بصلًا أو ثومًا، فرده رسول الله -صلى الله عليه وسلم-، فلم أر ليده فيه أثرًا .. فجئته فزعًا، فقلت:

يا رسول الله بأبي أنت وأمى رددت عشاءك ولم أر فيه موضع يدك؟ فقال -صلى الله عليه وسلم-: "إني وجدت فيه ريح هذه الشجرة، وأنا رجل أناجى، فأما أنتم فكلوه .. فأكلناه ولم نصنع له تلك الشجرة") (٣) وما دام -صلى الله عليه وسلم- يكره رائحتها


(١) وعاء يوضع فيه الماء كالزير والجرة.
(٢) أي بحثوا عن مواضع أصابعه وقصدوها.
(٣) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه ابن إسحاق وصرح بالسماع من شيخه يزيد بن أبي حبيب، عن مرثد بن عبد الله اليزني، عن أبي رهم السماعى حدثنى أبو أيوب، ويزيد ومرثد فقيهان ثقتان وأبو رهم هو كلثوم بن الحصين أحد الصحابة رضي الله عنهم. انظر سيرة ابن كثير (٢/ ٢٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>