للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

وكان رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يتأول في العفو ما أمره الله عَزَّ وَجَلَّ به ..) (١).

لأنه ظل وارف للجميع .. حتى لهؤلاء المشركين واليهود .. ولولا ذلك لما تجرأ أحد منهم حتى على الهمس .. وفي هذا الظل المتاح للجميع تحول ابن أُبي إلى كهفٍ للأصنام والمشركين وكهفٍ لليهود .. لقد تحول إلى كهفٍ لمشروعٍ يحاك في الظلام لتقويض هذه الدولة الجديدة ..

عبد الله بن أبي لم يتأذَ من غبار الدابة .. ولم يخمر أنفه من أجل سلامة رئتيه .. فهو ليس غريبًا على الغبار .. والغبار ليس بغريب عليه .. لكنه خمر عقله وقلبه عن الحقيقة ..

هو يضيق براكب الدابة وبكل ما يفعله ويقوله .. إنه يقرأ هزيمته في كل سعادة أدخلها نبي الله - صلى الله عليه وسلم - على كل بيت .. إنه يرى نكسته في فرح الرجال والنساء وابتسامات الأطفال وهم يلتصقون برسول الله - صلى الله عليه وسلم -.

لا أدري ما هو مصير المدينة لو توج عبد الله بن أبي بن سلول .. وإلى أي قاع سوف يرسو بها .. إن زعامة عبد الله بن أبي ليست -في حالة نجاحها- سوى تأجيل لوقت انفجار قنبلة موقوتة فالجاهلية هي الجاهلية .. والثأر لا يطفئه سوى الثأر ما دامت الأصنام رابضة في البيوت والأندية ..

عبد الله بن أُبي بن سلول المشرك ضاق بهؤلاء الأضياف المهاجرين .. وطار صوابه لهذا الكرم الأنصاري .. لقد فقد صداقاته وزعامته .. فقومه يحبونهم أكثر مما يحبونه .. إنهم يلتقون في ذلك المسجد خمس مرات في اليوم .. كيف ذلك .. أليس من سبيل إلى استعادة أحد منهم .. أو شيءٍ منهم .. أليس من سبيل إلى إعادة هؤلاء المهاجرين وطردهم مع نبيهم من


(١) حديث صحيح. رواه البخاري (٤٥٦٦).

<<  <  ج: ص:  >  >>