للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فأجابت طيبة .. وأجابت الأنصار .. وتسابقت الأيدي إلى أحبابها المهاجرين .. وأشرعت الأبواب .. لم يكن هناك ازدحام من المهاجرين على أبواب إخوانهم الأنصار .. لكن كان هناك ازدحام بين القلوب الأنصارية على أحبابهم المهاجرين .. كانت الأنصار أمواجًا من الرحمة تغمر إخوانهم المهاجرين وتنعشهم بعد طول مسير وطول حرمان وعذاب .. حتى لقد (اقترعت الأنصار على سكنى المهاجرين) (١) .. أي حب هذا .. كانت أيدي الطواغيت تتخطفهم بالسياط واللكمات .. وهذه هي الأيدي المتوضئة تمسح آثار السياط وتمسح الدموع والجراح وتحمل هؤلاء الغرباء إلى حيث الرحب والسعة .. الفقراء من الأنصار كانوا أسرع من الأغنياء ينافسونهم ويطلبون القرعة أيضًا .. فالحب والكرم ليس حكرًا على أحد .. فالصدور أفسح من المنازل .. والكلمات ألذ من أطايب الطعام .. والشهادة تنزل من فوق سبع سماوات .. شرفًا للأنصار يفخرون وأبناؤهم بحمله .. الشهادة لهم لم تأت من بيت شعر مدفوع الثمن .. أو خطبة من فصيح يبتغى بها قربى .. الشهادة جاءت من أكرم الأكرمين .. من خالق الكرماء ومعطي الأغنياء .. آيات تتلى إلى يوم القيامة {وَالَّذِينَ تَبَوَّءُوا (٢) الدَّارَ وَالْإِيمَانَ مِنْ قَبْلِهِمْ يُحِبُّونَ مَنْ هَاجَرَ إِلَيْهِمْ وَلَا يَجِدُونَ في صُدُورِهِمْ حَاجَةً مِمَّا أُوتُوا وَيُؤْثِرُونَ عَلَى أَنْفُسِهِمْ وَلَوْ كَانَ بِهِمْ خَصَاصَةٌ وَمَنْ يُوقَ شُحَّ نَفْسِهِ فَأُولَئِكَ هُمُ الْمُفْلِحُونَ} (٣) .. المرء يُمدح إذا كان كريما .. ويُمدح أكثر إذا كان يقدم للآخرين كل ما عنده .. لكن أن يكون محتاجًا أشد الحاجة فيقدم للآخرين حاجته الملحة فذلك كرم


(١) حديث صحيح. رواه البخاري وهذا جزء منه. ومعنى اقترعت أي قاموا بإجراء القرعة لشدة تنافسهم في إكرام المهاجرين وإسكانهم.
(٢) سكنوا.
(٣) سورة الحشر: الآية ٩.

<<  <  ج: ص:  >  >>