للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

فجاء حمزة فقال: هو عتبة بن ربيعة وهو ينهى عن القتال ويقول لهم: يا قوم إني أرى قومًا مستميتين لا تصلون إليهم وفيكم خير، يا قوم، اعصبوها اليوم برأسي وقولوا: جبن عتبة بن ربيعة، وقد علمتم أني لست بأجبنكم) (١) .. كان عتبة فوق جمله الأحمر يثير إعجاب النبي - صلى الله عليه وسلم - برأيه السديد .. لكنه كان يثير حسرة لدى أحد الشباب المؤمنين خلف رسول الله - صلى الله عليه وسلم - .. كأني بهذا الشاب يتطاول .. ويتطاول ليحظى بنظرة أخيرة لصاحب هذا الجمل الأحمر .. كأني به يرفع رأسه ليراه فيتحرك قلبه نحوه بالأسى والحزن .. والذكريات الحلوة المريرة .. عندما كان هذا الشاب طفلًا كان صاحب الجمل الأحمر يحمله ويداعبه .. كان يسير معه في طرقات مكة .. كان يكسوه أحسن الثياب .. ويطعمه أطيب الطعام .. كم مرة قبله .. وكم مرة عانقه .. وكم مرة تعثر فحمله .. وبكى فأسكته بما يرضيه .. ومرض فبحث له عمن يداويه .. ذكريات حلوة ومريرة .. فمن يكون هذا الشاب وما هي صلته بهذا الشيخ الكبير؟ إنه: أبو حذيفة بن عتبة بن ربيعة ..

وهذا الشيخ هو أبوه الذي رباه ورعاه وحنا عليه .. وهو اليوم عدوه .. والده اليوم أعقل وأحكم من في معسكر قريش .. فأين تلك الحكمة وأين هذا العقل قبل اليوم .. أين الحكمة في الخروج من أجل أصنام لا تستطيع الحراك من أماكنها .. أين الحكمة في عبادة حجر أو خشبة تفتقر إلى أبسط صفات السيادة ألا وهي إصدار الأمر أو النهي .. ؟


(١) حديث صحيح مر معنا. رواه أحمد (سيرة ابن كثير ٢/ ٤٢٢) إسرائيل عن أبي إسحاق عن حارثة بن مضرب عن علي.

<<  <  ج: ص:  >  >>