للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

والسلام .. شيء لا يصدق لأنه لم يحدث من قبل .. شيء لا يصدق .. أيعقل أن يعامل المسلمون هؤلاء المشركين الذين حملوا السيوف وطردوا الرسول - صلى الله عليه وسلم - واغتصبوا المال والدار .. أيعقل أن يعاملوا معاملة المسكين .. والطفل اليتيم .. أجل يعقل إذا كان القائد هو محمَّد - صلى الله عليه وسلم - وكان الجيش من الصحابة .. ها هم يقدمون طعامًا للأسرى أفضل من طعامهم رغم جوعهم ورغبتهم الملحة فيه .. ليس لأنهم أبناء العمومة والعشيرة .. ولا لطمعهم بفدية أكثر فإن من المشركين من لا يملك إلا سيفه .. السبب ببساطة هو وعد نزل كالمطر من السماء .. فأنبت في قلوب المؤمنين تلك الرياض وتلك الرعاية وذلك الفيض من العطاء .. وحي من الله يقول: {إِنَّ الْأَبْرَارَ يَشْرَبُونَ مِنْ كَأْسٍ كَانَ مِزَاجُهَا كَافُورًا (٥) عَيْنًا يَشْرَبُ بِهَا عِبَادُ اللَّهِ يُفَجِّرُونَهَا تَفْجِيرًا (٦) يُوفُونَ بِالنَّذْرِ وَيَخَافُونَ يَوْمًا كَانَ شَرُّهُ مُسْتَطِيرًا (٧) وَيُطْعِمُونَ الطَّعَامَ عَلَى حُبِّهِ مِسْكِينًا وَيَتِيمًا وَأَسِيرًا (٨) إِنَّمَا نُطْعِمُكُمْ لِوَجْهِ اللَّهِ لَا نُرِيدُ مِنْكُمْ جَزَاءً وَلَا شُكُورًا} (١).

هذه هي معسكرات الأسر في الإِسلام مهما كان الأسير مجرمًا أو مشركًا أو حتى ملحدًا .. هذا هو مفهوم الحبس في الإِسلام إن كان في الإِسلام حبس .. أسير مشرك خرج لسفك الدماء يخجل من كرم آسره .. وآسر يستحي أن يقدم لأسيره طعامًا أقل من طعامه أو مساويًا له .. يكتفي الصحابة بالتمر والماء .. ويقدمون الخبز واللحم -إن وجد- لأسراهم .. أخلاق زرعها - صلى الله عليه وسلم - في أعماق أصحابه .. أخلاق تعادل درجات من الصلاة والصيام لا يطيقها الإنسان .. بشرهم - صلى الله عليه وسلم - بذلك عندما قال لهم: (إن الرجل ليدرك بحسن خلقه درجات قائم الليل صائم النهار) (٢) .. ومن هو الذي يصلي ليله كله لا يفتر .. ويصوم كل يوم ولا يفطر .. قال


(١) سورة الإنسان: الآيات ٥ - ٩.
(٢) حديث صحيح. صحيح الجامع (١/ ٣٣٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>