للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الحجارة على رقابنا، وأزرنا تحت الحجارة، فإذا غشينا (١) الناس ائتزرنا، فبينا هو أمامي خر على وجهه منبطحًا، فجئت أسعى إليه، وألقيت حجري -وهو ينظر إلى السماء- فقلت: ما شأنك؟ فقام وأخذ إزاره، وقال: نُهيت أن أمشي عريانًا. فكنت أكتمها مخافة أن يقولوا مجنون) (٢).

وارتفعت الكعبة من جديد .. وشمخت شموخ التوحيد .. تشير بوحدانية الله .. وابتهجت قريش بصنيعها وترتيب بيت ربها .. ولم يبق سوى رد الحجر الأسود إلى مكانه .. ووضعه في زاويته من الكعبة .. فمن سيعيده .. من سيضعه .. من هو الأحق بهذا الشرف؟ إن بناء الكعبة واسع لدرجة استيعاب الآلاف للمشاركة فيه ونيل شرفه .. لكن الحجر الأسود لا يحتمل أكثر من أذرع قليلة تحمله.

اختلفت بطون قريش .. وحق لها أن تختلف في مثل ذلك الزمن المتكئ على تلك العقول المتصخرة التي لا تحل الأمور الصعبة إلا بأسنَّة الرماح .. وأنهار الدماء .. ألم يحدثنا التاريخ عن حروب دامت عشرات السنين وثار غبارها من أجل سنام جمل أو مضمار خيل.


(١) أي أقبلنا عليهم واختلطنا بهم.
(٢) حديثٌ حسنٌ لغيره، وذكره الذهبي في سيرته (٣٨) من طريقين عن: سماك عن عكرمة، عن عبد الله بن عباس، عن العباس رضي الله عنهم. وهذا الحديث رجاله ثقات، عكرمة تابعي معروف وهو ثقة. وسماك جيد الحديث، لكن سماك بن حرب رحمه الله منتقد الحديث عن عكرمة، فقد امتدح النقاد حديثه ما عدا حديثه الذي يرويه عن عكرمة مولى ابن عباس، فقد قالوا كما في التهذيب والتقريب (١/ ٣٣٢): إنه اضطرب فيه. لكن هذا الحديث له من الشواهد التي مرت معنا، والتي ذكرتها في موسوعة السيرة ما يشهد له ويرفعه إلي درجة القبول، فهو حسن لغيره قوى بالروايات الأخرى.
والقائل: كنت أكتمها. هو العباس خوفًا على ابن أخيه من التكذيب.

<<  <  ج: ص:  >  >>