للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

استعدّ الجميع .. وتأهبوا للخروج إلَّا رجلين .. الأول لا حاجة به إلى الاستعداد .. فهو لا يملك من هذه الدنيا شيئًا يحتاج إلى وداع أو وصية .. فأملاكه كلّها بين يديه وفي صدره .. مصعب بن عمير بن هاشم بن عبد مناف .. ابن الأم الثرية .. الشاب المنعم أيام شركه .. لا يملك الآن إلَّا سيفه وقرآنًا يملأ صدره ويملأ بيوت المدينة بعد أن سافر في بيوت الأنصار .. وزرع فيها العلم والإيمان .. هذا هو مصعب بن عمير الذي لقبه الأنصار بـ "المعلم" ..

أمّا الآخر فهو شاب يتمتّع بأحلى أيام عرسه .. إنه الآن مع عروسه .. يتبادلان عذب الكلام والأحلام .. صفو المشاعر والغرام .. وفجأة يدوي في المدينة داعي الجهاد فينسل حنظلة بن أبي عامر من فراشه ويتحول العاشق إلى محارب يودع عروسه بحرارة المحبِّ الذي لن يعود .. فتهمي دموع حبيبته وتستودعه الله الذي لا تضيع ودائعه .. فهو أغلى ما تملكه .. ويغيب حنظلة عن عينيها .. وتغيب في همومها وأحزانها التي لا تدري متى تنتهي .. أحزانها التي لا يخفّفها سوى الإيمان.

خرج - صلى الله عليه وسلم - من المدينة متوجهًا نحو أُحد .. حاملًا سيفه "ذا الفقار" الذي غنمه من غزوة بدر .. ولم يكتف - صلى الله عليه وسلم - بلبس درعه .. بل لبس عليه درعًا آخر .. يقول أحد الصحابة رضي الله عنهم: (إن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - ظاهر يوم أُحد بين درعين -أو لبس درعين-) (١). وإذا كان النبي - صلى الله عليه وسلم - الذي يحفظه الله من بين يديه ومن خلفه وعن يمينه وشماله ومن فوقه ومن


= قتادة عن محمود بن لبيد، وعاصم تابعي ثقة من علماء المغازي ... ومحمود بن لبيد صحابي رضي الله عنه.
(١) حديث صحيح انظر: صحيح أبي داود (٢/ ٤٩١).

<<  <  ج: ص:  >  >>