للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

قرآنًا يتلى في هؤلاء الشباب الأطهار الأبرار .. فقال تعالى: (إنا قد لقينا

ربنا فرضي عنا وأرضانا) (١).

نزلت هذه الآية على النبي - صلى الله عليه وسلم - فحزن حزنًا لم يحزن مثله أبدًا .. وخيّم الوجوم على المدينة .. على أصحاب النبي - صلى الله عليه وسلم - .. وأحرق الدمع والحزن أجواف الأمّهات والآباء والأبناء .. وبكى أهل الصفة أرحم الناس بحالهم .. بكى أهل الصفة أحبابهم الذين طالما كدحوا وشقوا ليخفّفوا مما بهم .. ليمنحوهم بعض السعادة .. هذا قد منحوه ثوبًا .. وهذا اشتروا له طعامًا .. وذاك أعطوه فراشًا .. ورابع قلّموا له غطاءً .. وخامس قدموا له حذاءً .. لك أن تتصوّر حجم الفراغ الذي يتركه سبعون بمثل هذا الجمال والحب والسخاء.

أهل المدينة يتذكرونهم عندما يرون تلك القرب التي كانوا يملأونها بالماء لهم على باب المسجد .. فكم من عطشان فقد تلك السحابة. أمّا النبي - صلى الله عليه وسلم - فتوجّه والحزن في عينيه وقلبه إلى أصحابه. فقال: (إن إخوانكم قد قتلوا، وإنهم قالوا:

اللهمّ بلّغ عنّا نبينا أن قد لقيناك، فرضينا عنك ورضيت عنا) (٢).

لقد بلغ به الهمّ والحزن أن فعل شيئًا لم يكن قد فعله من قبل .. كيف لا وهو قد فجع بخبيب وعاصم ومن معهما .. ثم فجع بسبعين من خيرة الشباب الذين سافروا من أجل نشر دين ربهم ورسالة نبيّهم ولا ذنب لهم سوى ذلك .. لقد دعا - صلى الله عليه وسلم - على أولئك المشركين الأنذال شهرًا كاملًا في صلواته كلّها .. يقول أحد الصحابة رضي الله عنه: (قنت رسول الله - صلى الله عليه وسلم -


(١) هذه الآية منسوخة وهي في البخاري (٤٠٩١).
(٢) حديث صحيح رواه مسلم (٦٧٧).

<<  <  ج: ص:  >  >>