للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الدماء .. وما سفكت الدماء في مثل هذه المواقف إلَّا لغياب تلك الحكمة التي انطلقت من فوق منبره - صلى الله عليه وسلم -.

تقول عائشة رضي الله عنها وهي تكمل حديثها: (همّوا أن يقتتلوا، ورسول الله - صلى الله عليه وسلم - قائم على المنبر، فلم يزل رسول الله - صلى الله عليه وسلم - يخفضهم حتى سكتوا، وسكت.

قالت عائشة: وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع، ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، وأبواي يظنان أن البكاء فالق كبدى) (١).

أمّا عائشة نفسها فقد كاد الحزن أن يهلكها ويفنيها .. إنها تصف ما وصلت إليه .. فتقول:

(لما بلغني ما تكلّموا به، هممت أن آتي قليبًا فأطرح نفسي فيه) (٢) .. لكنها لم تفعل لخوفها من الله .. وثقتها به .. وأنه لن يتركها وحيدة في هذا العالم الحائر في أمرها .. وتواصل حديثها عن النبي - صلى الله عليه وسلم - وما جرى في مسجده .. فتقول:

(وبكيت يومي ذلك، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، ثم بكيت ليلتي المقبلة، لا يرقأ لي دمع ولا أكتحل بنوم، "فأصبح أبواي عندي وقد بكيت ليلتين ويومًا"، وأبواي يظنّان أن البكاء فالق كبدي، فبينما هما


(١) حديث صحيح رواه البخاري ومسلمٌ (٢٧٧٠) واللفظ له.
(٢) سنده حسن رواه الطبراني (٢٣/ ١٢١). حدثنا أحمد بن القاسم حدثنا خالد بن خداش، حدثنا حماد بن زيد عن أيوب عن ابن أبي مليكة عن عائشة .. ابن أبي مليكة تابعي أدرك ثلاثين من الصحابة - التقريب (١/ ٤٣١) وهو ثقة فقيه وتلميذه السختياني ثقة ثبت حجة وحماد ثقة ثبت فقيه .. وشيخ الطبراني ثقة - البلغة (٦١) والسند حسن من أجل ابن خداش وقد وثقه أئمة النقد وجرحه غير مفسر - التهذيب (٣/ ٧٤).

<<  <  ج: ص:  >  >>