للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

المشركون، فألبسوهم أدراع الحديد، وصهروهم في الشمس فما منهم إنسان إلا وقد واتاهم على ما أرادوا، إلا بلال، فإنه هانت عليه نفسه في الله، وهان على قومه، فأعطوه الولدان، وأخذوا يطوفون به شعاب مكة وهو يقول: أحد .. أحد) (١).

وعندما سئل عبد الله بن عباس ذات يوم:

(أكان المشركون يبلغون من أصحاب رسول الله -صلى الله عليه وسلم- من العذاب ما يعذرون به في ترك دينهم؟) أجاب رضي الله عنه فقال: (نعم والله، إن كانوا ليضربون أحدهم، ويجيعونه، ويعطشونه، حتى ما يقدر أن يستوي جالسًا من شدة الضر الذي به، حتى يعطيهم ما سألوه من الفتنة، حتى يقولوا له: اللات والعزى إلهان من دون الله. فيقول: نعم. افتداء منهم بما يبلغون من جهدهم) (٢).

لقد افترش العذاب هذه الأجساد الطاهرة .. وطاب له المقام فغرز أنيابه بلا رحمة .. بلا شفقة .. يشرحها ويشرب من دمها .. وقهقهات السكارى والطواغيت حول هذه الأجساد المطروحة لا تجد من يخرسها .. حتى رسول الله -صلى الله عليه وسلم- لا يستطع أن يفعل شيئًا .. وكيف يفعل وهو لا يستطع حماية نفسه من هؤلاء الأوغاد .. لقد اضطر الصحابة إلى اتخاذ إجراء يحمون به رسولهم .. فكانوا يتناوبون في حراسته ليلًا ونهارًا .. فالنهار لا يخلو من السفهاء والمتهورين .. والليل مثقل بخناجر الغدر يسددها المتلثمون.


(١) حديثٌ حسنٌ مر معنا تخريجه.
(٢) حديثٌ حسنٌ سنده جيد، فقد رواه ابن إسحاق فقال: حدثني حكيم بن جبير، عن سعيد ابن جبير قال: قلت لعبد الله بن عباس: ... ، حكيم بن جبير فيه كلام حول تشيعه، وقد قال أبو زرعة: محله الصدق ثم تكلم على مذهب وانتقده، وهذا الحديث ليس في المذهب، ثم إن ما قبله يشهد له فهو حسن لذاته أو لغيره.

<<  <  ج: ص:  >  >>