للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>
مسار الصفحة الحالية:

هذه هي منزلة بلال الإنسان عند هؤلاء الملحدين .. إما أن يختار ما اختاروه له فيكون كادحًا طوال الليل والنهار مهانًا ذليلًا .. وإما أن يرفض إرادتهم ويسلك دروب الدعاة فيدفع الثمن باهظًا .. أكوامٌ من الحجارة تغطى جسده المنهك .. وشمسٌ لاحفة تحمى عليه تلك الحجارة وتزيد في تعذيبه وإيلامه.

مد أبو بكر يده إلى هذا المسكين لتنتفض عنه قريش والحجارة .. مد أبو بكر يده لأخيه بلال لا لعبده بلال .. فلقد اشتراه ليحرره من قيد العبودية والمهانة .. ليطلقه في البيداء وفي السماء .. يشرب الماء عذبًا .. يتنفس الهواء نقيًا .. ويعبد ربه أينما شاء .. بعد أن كان يكد ويكدح طوال يومه دون مقابل .. دون أجر أو كلمة شكر ..

لقد قدم بلال تضحيات وتضحيات .. وها هو اليوم .. حر وسيدٌ من سادات الإسلام .. بشهادة أحد أعظم رجالات الإسلام حيث يقول: (أبو بكر سيدنا، وأعتق سيدنا) أما لماذا فلأنه اختار طريق محمَّد -صلى الله عليه وسلم-وصبر مع محمَّد -صلى الله عليه وسلم-. . لقد كان يجوع يوم يجوع رسول الله -صلى الله عليه وسلم - .. ويتألم عندما يتألم ويجعل من جسده درعًا أمام الرماح الموجهة إلى نبيه .. كان يخاف على رسول الله -صلى الله عليه وسلم- أكثر مما يخاف على نفسه .. إنه باختصار: يحبه أكثر من نفسه .. وهذا ما جعل الدنيا كلها تحب بلالًا وتجله .. لقد كان رسول الله -صلى الله عليه وسلم- يتحدث بنفسه عن بطولات بلال رضي الله عنه .. عن معاناته فيقول:

(لقد أوذيت في الله وما يؤذي أحد، وأخفت في الله وما يخاف أحد، ولقد أتت على ثلاثون -من يوم وليلة-، وما لي ولبلال ما يأكل ذو كبد إلا ما يواري إبط بلال) (١). لقد حولت عقيدة الشرك قريشًا إلى كتلة من


(١) إسنادُهُ صحيحٌ. رواه أحمد والترمذيُّ وابن ماجه، انظر سيرة ابن كثير (١/ ٤٧٢)، كلهم =

<<  <  ج: ص:  >  >>