للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

خلف بيوتنا، إذ أتانا أخووه يَشْتدّ (١)، فقال لي ولأبيه: ذاك أخي القرشيّ قد أخذه رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعاه، فشقَّا بطنَه، فهما يَسوطانه (٢) قالت: فخرجت أنا وأبوه نحوه، فوجدنا قائما مُنتَقَعا (٣) وجهُه. قالت فالتزمته والتزمه أبوه، فقلنا له: ما لك يا بُنيّ؛ قال: جاءني رجلان عليهما ثياب بيض، فأضجعانى وشقا بطني، فالتمسا (فيه) شيئًا لا أدري ما هو. قالت: فرجعنا (به) (٤) إلى خبائنا.

[رجوع حليمة به (صلى الله عليه وسلم) إلى أمه]

قالت: وقال لي أبوه يا حليمة، لقد خشيت أن يكون هذا الغلام قد أُصيب فألحقيه بأهله قبل أن يظهر ذلك به، قالت: فاحتملناه، فقَدِمْنا به على أمه فقالت: ما أقدمك به يا ظئر (٥) وقد كنت حريصةً عليه، وعلى مُكثه عندك؟ قالت: فقلت: قد بلغ الله بابنى وقضيتُ الذي عليّ، وتخوّفت الأحداث عليه، فأدّيته إليك كما تحبين؛ قالت ما هذا شأنك، فاصدُقينى خَبرك. قال: فلم تدعْنى حتى أخبرتُها. قالت: أفتخوّفت عليه الشيطان؟ قالت: قلت نعم؛ قالت: كلا، والله ما للشيطان عليه من سبيل، وإن لبنَيَّ لشأنا، أفلا أخبُركِ خبره، قالت: (قلت) ٢ بلى؛ قالت: رأيت حين حملتُ به، أنه خرج مني نورٌ أضاء (٦) لي قُصورَ بُصْرَى (٧) من أرض الشام، ثم حملتُ به، فوالله ما رأيت من حَمْل قطُّ كان أخفّ (عليّ) ٢ ولا أيسرَ منه، ووقع حين ولدته وإنه لواضعٌ يديه بالأرض، رافعٌ رأسَه إلى السماء، دعيه عنك وانطلقى راشدةً. (٨)

قال الحافظ الذهبي في تاريخ الإِسلام هذا حديث جيد الإسناد.


(١) اشتد في عدوه: أسرع.
(٢) يقال: سطت اللبن أو الدم أو غيرهما أسوطه: إذا ضربت بعضه ببعض. واسم العود الذي يضرب به: السوط.
(٣) منتقعا وجهه: أي متغيرا، يقال انتقع وجهه وامتقع (بالبناء للمجهول): إذا تغير.
(٤) زيادة عن أوالطبري.
(٥) الظئر (بالكسر): العاطفة على ولد غيرها المرضعة له، في الناس وغيرهم فهو أعم من المرضعة لأنه يطلق على الذكر والأنثى.
(٦) كذا في أوالطبري. وفي سائر الأصول: "أضاء لي به قصور ... الخ".
(٧) بصرى (بالضم والقصر): من أعمال دمشق بالشام، وهي قصبة كورة حوران، مشهورة عند العرب قديما وحديثا، ولهم فيها أشعار كثيرة. (راجع معجم البلدان).
(٨) سيرة ابن إسحاق تحقيق الإبيارى ج/١ ص ١٦٢ - ١٦٥

<<  <   >  >>