للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

[زواجه من خديجة (رضي الله عنها)]

قال ابن شهاب الزهري: فلمّا استوى وبلغ أشدَّه، وليس له كثير مال، استأجرته خديجة ابنة خُويلد، إلى سوق حُباشَة -وهو سوق بتهامة- واستأجرت معه رجلًا آخر من قريش، فقال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم وهو يحدث عنها: ما رأيت من صاحبة أجير خيرًا من خديجة، ما كنا نرجع أنا وصاحبي إلَّا وجدنا عندها تحفة طعام تخبئه لنا، فقال: فلما رجعنا من سوق حُباشَة -قال رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم-: قلت لصاحبي: انطلق بنا نتحدث عند خديجة، قال: فجئناها، فبينا نحن عندها، إذ دخل علينا مستنشئة من مولدات قريش -والمستنشئة: الكاهنة التي تستنشيء الرجل- قالت: أمحمد هذا، والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، فقلت كلَّا، فلما خرجنا أنا وصاحبي، قال: أمِنْ خطبة خديجة تستحي، فوالله ما من قرشية إلَّا تراك لها كفوًا، قال: فرجعت إليها مرة أخرى، فدخلت علينا تلك المستنشئة، فقالت: أمحمد هذا؟ والذي يُحلف به إن جاء لخاطبًا، قال: قلت على حياء: أجل، قال: فأرسلت خديجة وراء أختها، فانطلقت إلى أبيها خويلد بن أسد -وهو ثمل من الشراب- فقالت: هذا ابن أخيك محمَّد بن عبد الله يخطب خديجة، وقد رضيت خديجة، فدعاه، فسأله عن ذلك، فخطب إليه، فأنكحه، قال: فخَلَّقته خديجة، وحَلَّت عليه حلة، فدخل رسول الله صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم بها، فلما أصبح، صحا الشيخ من سكره، فقال: ما هذا الخلوق، وما هذه الحُلَّة؟ قالت أخت خديجة: هذه حلَّة كساكها ابن أخيك محمد بن عبد الله أنكحته خديجة، وقد بنى بها، فأنكر الشيخ، ثم سلَّم إلى أن صار ذلك واستحيي، وطفقت رُجاز من رُجَّاز قريش تقول:

لا تزهدي خديجُ في محمَّد ... جلد يضيء كضياء الفرقد (١)

وروي الطبراني عن أبي خالد الوالي، عن جابر بن سمرة -أو رجل من الصحابة- قال: (كان النبي صلى الله عليه وعلى آله وصحبه وسلم يرعي غنمًا، فاستعلى الغنم،


(١) المغازي النبوية لابن شهاب الزهري ص ٤٣.

<<  <   >  >>