للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ص:  >  >>

قال أبو جهل: وكان في ناحية المسجد: كذبت والله لا تشق، قال زمعة ابن الأسود أنت والله أكذب، ما رضينا كتابها حيث كتبت. قال أبو البختري: صدق زمعة، لا نرضى ما كتب فيها، ولا نقر به، قال المطعم بن عدي: صدقتما وكذب من قال غير ذلك، نبرأ إلى الله منها، ومما كتب فيها، وقال هشام بن عمرو نحوًا من ذلك. فقال أبو جهل: هذا أمر قضي بليل، تشوور فيه بغير هذا المكان. وأبو طالب جالس في ناحية المسجد، فقام المطعم إلى الصحيفة ليشقها، فوجد الأرضة قد أكلتها، إلا "باسمك اللَّهم".

وكان كاتب الصحيفة منصور بن عكرمة فشلت يده فيما يزعمون.

قال ابن هشام: وذكر بعض أهل العلم: أن رسول الله - صلى الله عليه وسلم - قال لأبي طالب: "يا عم، إن ربي الله قد سلط الأرضة على صحيفة قريش، فلم تدع فيها اسمًا هو لله إلا أثبتته فيها، ونفت منه الظلم والقطيعة والبهتان"، فقال: أربك أخبرك بهذا؟ قال: "نعم"، قال: فوالله ما يدخل عليك أحد، ثم خرج إلى قريش فقال: يا معشر قريش، إن ابن أخي أخبرني بكذا وكذا، فهلم صحيفتكم، فإن كان كما قال ابن أخي فانتهوا عن قطيعتنا، وانزلوا عما فيها، وإن يكن كاذبًا دفعت إليكم ابن أخي. فقال القوم: رضينا. فتعاقدوا على ذلك. ثم نظروا. فإذا هي كما قال رسول الله - صلى الله عليه وسلم -. فزادهم ذلك شرًا. فعند ذلك صنع الرهط من قريش في نقض الصحيفة ما صنعوا.

قال ابن إسحاق: فلما مزقت الصحيفة وبطل ما فيها. قال أبو طالب، فيما كان من أمر أولئك النفر الذين قاموا في نقضها يمدحهم:

ألا هل أتى بحرينا (١) صنع ربنا ... على نأيهم والله بالناس أرود (٢)

فيخبرهم أن الصحيفة مزقت ... وأن كل ما لم يرضه الله مفسد

تراوحها إفك وسحر مجمع ... ولم يلف سحر آخر الدهر يصعد


(١) يعني بالبحري الذين كانوا بأرض الحبشة وركبوا البحر إليها.
(٢) الأرود: الأرفق.

<<  <   >  >>