للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

الصلاة، وما يقول حين يأوى إلى فراشه في كتاب النوافل، وكذلك ما يقول إذا استيقظ


= والاعتراف برسالته بعد بلوغ دعوته، وجعلها شرطا في دخول جنته. فهذا هو قوله تعالى: (ورفعنا لك ذكرك) أهـ ص ١١٧.
وقال تعالى مبينا كرامته حبيبه صلى الله عليه وسلم (ما ودعك ربك وما قلى ٣ وللآخرة خير لك من الأولى ٤ ولسوف يعطيك ربك فترضى) ٥ من سورة الضحى.
أي ما قطعك قطع المودع، وما تركك وما أبغضك ردا على قول المشركين في تأخير الوحي مرة (إن محمدا ودعه ربه وقلاه) ثم بين سبحانه وتعالى أنه لا يزال يواصله بالوحي من الكرامة في الدنيا، وأعد له ما هو أعلى وأجل من ذلك في الآخرة، أو لنهاية أمرك خير من بدايته. فإنه صلى الله عليه وسلم لا يزال يتصاعد في الرفعة والكمال (فترضى) وعد شامل لما أعطاه من كمال النفس وظهور الأمر، وإعلاء الدين، ولما ادخره له مما لا يعرف كنهه سواه، واللام للابتداء (ولـ) أنت (سوف يعطيك) وجمعها مع سوف للدلالة على أن الإعطاء كائن ولا محالة، وإن تأخر لحكمة. أهـ بيضاوي.
وقال الشيخ محمد عبده: (ولسوف يعطيك) من توارد الوحي عليك بما فيه إرشاد لك ولقومك، ومن ظهور دينك وعلو كلمتك، وإسعاد قومك بما تشرع لهم، وإعلائك وإعلائهم على الأمم في الدنيا والآخرة (فترضى) بما تراه من تلك النعم التي ليس وراءها مطلب لطالب.
كأنه عليه الصلاة والسلام كان يجد في نفسه أن للأمر تتمة لم تأت بعد، وكان في الفترة إبطاء بتلك التتمة، وهو شغف بحصولها. فلم تكن نفسه راضية دون أن يبلغ ما أعده له من إكمال دينه. فأكد له الوعد بأنه سيعطيه مما تتطلع نفسه إليه، ولا يزال يعطيه حتى يرضى ويعلن عباده المؤمنين بقوله تعالى: (اليوم أكملت لكم دينكم وأتممت عليكم نعمتي ورضيت لكم الإسلام دينا) من سورة المائدة.
وقد كان ذلك في أكثر من عشرين سنة. أهـ ص ١١٠.
وقيل عطاؤه هو الشفاعة العظمى. فأنت ترى وعد الله الذي لا حد له في إكرامه صلى الله عليه وسلم وإرضائه. قال صلى الله عليه وسلم: (إذا لا أرضى وواحد من أمتي في النار).
قال الصاوي: أي الموحدين، فالمراد أمة الإجابة وقد أشار لذلك بعض العارفين بقوله:
قرأنا في الضحى ولسوف يعطي ... فسر قلوبنا ذاك العطاء
وحاشا يا رسول الله ترضى ... وفينا من يعذب أو يساء
إن شاهدنا ثبوت الشفاعة للسيد المصطفى صلى الله عليه وسلم، وأنه جدير بكل ثناء واحترام عسى أن يشفع لنا، ولقد ورد في صحيح مسلم عن عبد الله بن عمرو بن العاص: أن النبي صلى الله عليه وسلم تلا قول الله تبارك وتعالى في إبراهيم صلى الله عليه وسلم: (رب إنهن أضللن كثيرا من الناس فمن تبعني فإنه مني) الآية وقال عيسى صلى الله عليه وسلم (إن تعذبهم فإنهم عبادك وإن تغفر لهم فإنك أنت العزيز الحكيم) فرفع يديه وقال: أمتي أمتي وبكى. فقال الله عز وجل: (يا جبريل اذهب إلى محمد وربك أعلم فسله ما يبكيك) فأتاه جبريل عليه السلام فأخبره رسول الله صلى الله عليه وسلم بما قال وهو أعلم. فقال الله تعالى: (يا جبريل اذهب إلى محمد فقل إنا سنرضيك في أمتك ولا نسوءك).
وقال النووي: الحكمة في إرسال جبريل إظهار شرف النبي صلى الله عليه وسلم، وأنه بالمحل الأعلى فيسترضي ويكرم بما يرضيه والله أعلم (لا نسوءك) لا نحزنك وننجي الجميع من النار. وفي هذا الحديث بشارة عظيمة لهذه الأمة، وبيان عظيم منزلة النبي صلى الله عليه وسلم عند الله عز وجل، وعظيم لطفه وكمال شفقة المصطفى صلى الله عليه وسلم بأمته واهتمامه بأمرهم. أهـ ص ١٧٢ مختار الإمام مسلم، وشرح النووي.
أرأيت رأفة أكثر من هذه المحبة؟ يتعلق صلى الله عليه وسلم بأمته ويحن إليها، ويبكي رجاء رحمة الله لها =

<<  <  ج: ص:  >  >>