للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

٨ - وعن جَعْدَةَ رضي الله عنه: "أن النبي صلى الله عليه وسلم رأى رجلاً عظيم (١) البطن، فقال بأُصْبُعِهِ: لو كان هذا في غير (٢) هذا لكان خيراً لك" رواه ابن أبي الدنيا والطبراني بإسناد جيد، والحاكم والبيهقي.

٩ - وعن أبي هريرة رضي الله عنه: أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال: "لَيُؤتَيَنَّ يوم القيامة بالعظيم، الطويل (٣)، الأكول، الشَّروبِ، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ، واقرءوا إن شئتم: "فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً"" رواه البيهقي، واللفظ له.

ورواه البخاري ومسلم باختصار قال: "إنه ليأتي الرجلُ العظيمُ السمين يوم القيامة، فلا يزنُ عند الله جناح بعوضةٍ (٤) "


= الفرس براكبه: استعصى حتى غلبه، وجمح إذا عار، وهو أن ينفلت فيركب رأسه فلا يثنيه شيء، وجمحت المرأة: خرجت من بيت زوجها غضبي بغير إذن بعلها. أ. هـ، والمعنى أن كثرة النعيم فتنة، ففيه إرخاء العنان للنفس لتطغى، وتضل، وتنسى حقوق الله جل وعلا، قال تعالى: "يا أيها الناس إن وعد الله حق فلا تغرنكم الحياة الدنيا ولا يغرنكم بالله الغرور إن الشيطان لكم عدو فاتخذوه عدواً إنما يدعو حزبه ليكونوا من أصحاب السعير" (٥ - ٦ من سورة فاطر)، (وعد الله) بالحشر والجزاء لا خلف فيه (فلا تغرنكم) فيذهلكم التمتع بها عن طلب الآخرة، والسعي لها (الغرور) الشيطان بأن يمنيكم المغفرة مع الإصرار على المعصية، والميل إلى الترف بلا عمل (فاتخذوه عدواً) في عقائدكم، وأفعالكم، وكونوا على حذر منه في مجامع أحوالكم وشيدوا الصالحات، "الذين كفروا لهم عذاب شديد والذين آمنوا وعملوا الصالحات لهم مغفرة وأجر كبير أفمن زين له سوء عمله فرآه حسناً فإن الله يضل من يشاء ويهدي من يشاء فلا تذهب نفسك عليهم حسرات إن الله عليم بما يصنعون" (٧ - ٨ من سورة فاطر)، (أفمن زين) أي انتكس رأيه فرأى الباطل حقاً، والقبيح حسناً كمن لم يزين له بل وفق حتى عرف الحق واستحسن الأعمال واستقبحها على ما هي عليه (حسرات) أي فلا تهلك نفسك عليهم للحسرات على غيهم وإصرارهم على التكذيب، سبحانه عليم فيجازيهم على ترفهم وأعمالهم.
(١) ضخم الجسم.
(٢) أي في عقله؛ بمعنى أن فكره يسمو ورأيه يعلو وقوته في ثمرات أعماله لا في ضخامة بطنه. * جسم البغال وأحلام العصافير *
(٣) أي المتصف بالضخامة وكثرة الأكل والشراب قال تعالى: "قل هل ننبئكم بالأخسرين أعمالاً الذين ضل سعيهم في الحياة الدنيا وهم يحسبون أنهم يحسنون صنعاً أولئك الذين كفروا بآيات ربهم ولقائه فحبطت أعمالهم فلا نقيم لهم يوم القيامة وزناً ذلك جزاؤهم جهنم بما كفروا واتخذوا آياتي ورسلي هزواً" (١٠٣ - ١٠٦ من سورة الكهف)، (ضل) ضاع وبطل لكفرهم وعجبهم (وزناً) أي نزدري بهم ولا نجعل لهم مقداراً واعتباراً، أو لا نضع لهم ميزاناً توزن به أعمالهم لانحباطها. أ. هـ. بيضاوي، والمعنى الغذاء يتحول للتقوية على الأعمال الصالحة، أما الحرص على التمتع بأنواع الأطعمة والغفلة عن الله تعالى فمن صفات الكفار وبذا تنطوي صحيفة الخير وعمل البر في حياة المترفين الضالين فتكون عاقبتهم دخول النار ولا وزن لأعمالهم.
(٤) المعنى أن أعمال هؤلاء الكفرة الفجرة الفسقة لا تعادل جناح البعوضة مع حقارتها وخفتها مع ضخامة جسمهم وملذاته.

<<  <  ج: ص:  >  >>