للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيهَا مِمَّنْ أَمَرْتَنَا أَحَداً، ثُمَّ يَقُولُ: ارْجِعُوا فَمَنْ وَجَدْتُمْ في قَلْبِهِ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ مِنْ خَيْرٍ فَأَخْرِجُوهُ، فَيُخْرِجُونَ خَلْقَاً كَثِيراً، ثُمَّ يَقُولُونَ: رَبَّنَا لَمْ نَذَرْ فِيْهَا خَيْراً، وَكان أَبو سعيد يقول: إِن لم تصدقوني بهذا الحديث فاقْرَؤُوا إِنْ شئْتُم: [إِنَّ اللهَ لاَ يَظْلِمُ مِثْقَالَ ذَرَّةٍ (١) وَإِنْ تَكُ حَسَنَةً يُضَاعِفْهَا وَيُؤْتِ مِنْ لَدنْه أَجْراً عَظِيماً] فَيَقُولُ اللهُ عَزَّ وَجَلَّ: شَفَعَتِ الْمَلائِكَةُ (٢)

وَشَفَعَ النَّبِيُّونَ وَلَمْ يَبْقَ إِلاَّ أَرْحَمُ الرَّاحِمِينَ فَيَقْبِضُ (٣) قَبْضَةً مِنَ النَّارِ فَيُخْرِجُ مِنْهَا قَوْماً مِنَ النَّارِ لَمْ يَعْمَلُوا خَيْراً قَطُّ قَدْ عَادُوا حُمَماً فَيُلْقِيهِمْ في نَهْرٍ في أَفْوَاهِ الْجَنَّةِ يُقَالُ لَهُ: نَهْرُ الْحِيَاةِ، فَيَخْرُجُونَ كَمَا تَخْرُجُ الْحِبَّةُ في حَمِيلِ السَّيْلِ، أَلا تَرَوْنَهَا تَكُونُ إِلى الْحَجَرِ (٤) أَوْ إِلى الشَّجَرِ، مَا يَكُونُ إِلى الشَّمْسِ أُصَيْفِرَ وَأُخَيْضِرَ، وَمَا يَكُون مِنْهَا إِلى الظِّلِّ يَكُونُ أَبْيَضَ، فَقَالُوا: يَا رَسُولَ اللهِ كَأَنَّكَ كُنْتَ تَرْعَى بِالْبَادِيَةِ (٥) قالَ: فَيَخْرُجُونَ كَالُّلؤْلُؤِ (٦) في رِقَابِهِمْ الْخَوَاتِيمُ يَعْرِفُهُمْ أَهْلُ الْجَنَّةِ هَؤُلاءِ عُتَقَاءُ اللهِ الَّذِينَ أَدْخَلَهُمُ اللهُ الْجَنَّةَ بِغَيْرِ عَمَلٍ عَمِلُوهُ، وَلا خَيْرٍ قَدَّمُوهُ، ثُمَّ يَقُولُ: ادْخُلُوا الْجَنَّةَ فَمَا رَأَيْتُمُوهُ فَهُوَ لَكُمْ، فَيَقُولُونَ: رَبَّنَا أَعْطَيْتَنَا مَا لَمْ


(١) لا ينقص من الأجر ولا يزيد في العقاب أصفر شيء كالذرة، وهي النملة الصغيرة ويقال لكل جزء من أجزاء الهباء. والمثقال مفعال من الثقل. وفي ذكره إيماء إلى أنه وإن صغر قدره عظيم جزاؤه، وإن يكون مثقال الذرة حسنة يضاعف ثوابها ويعط صاحبها من عنده على سبيل الفضل زائداً على ما وعد في مقابلة العمل عطاء جزيلاً أهـ بيضاوي.
وقال النسفي: عن ابن عباس رضي الله عنهما أنه أدخل يده في التراب فرفعه، ثم نفخ فيه فقال كل واحدة من هؤلاء ذرة أهـ.
(٢) طلبت الملائكة رحمة جملة من عبادي، وكذلك النبيون، وفي كتابي (النهج السعيد) الشفاعة العظمى مختصة بسيدنا محمد صلى الله عليه وسلم: أي بعد طول الموقف على الناس يلهمون أن الأنبياء هم الواسطة بين الله وبين خلقه فيذهبون إليهم يستشفعون بهم واحداً واحداً فيعتذر كل منهم بما وقع له من صورة الخطيئة ويقول: لست هنا كم نفسي نفسي كما في الحديث الصحيح. فإذا انتهى الأمر للرئيس الأكمل والسيد الأعظم الأفخم المحترم قال: أنا لها أنا لها أمتي أمتي، ثم يخر ساجداً تحت العرش فيقال يا محمد ارفع رأسك وسل تعطه وأشفع تشفع، فيرفع راسه ويشفع صلى الله عليه وسلم في فصل القضاء أهـ ص ١٥٩.
قال تعالى: [ولا تنفع الشفاعة عنده إلا من أذن له].
(٣) يخرج سبحانه وتعالى جملة تفضلاً منه ورحمة.
(٤) تميل إلى لون الحجر في الصفرة واللمعان؛ أو إلى الشجر في الخضرة.
(٥) أي أجدت الوصف وأحكمت التعبير وأحسنت وأصبت الإصابة كلها كأنك موجود في البادية، وهي أمامك تصف نباتها.
(٦) الجوهر المضيء في أعناقهم علامات إحسان الله إليهم وتكرمه عز وجل عليهم.

<<  <  ج: ص:  >  >>