للمساهمة في دعم المكتبة الشاملة

فصول الكتاب

<<  <  ج: ص:  >  >>

قال: "من استعملناهُ على عملٍ فرزقناهُ رزقاً فما أخذ بعد ذلك فهو غُلُولٌ (١) " رواه أبو داود.


(١) تدرع الخيانة، وإنقاص الوديعة، وغل يغل: خان، وأغللت فلاناً نسبته إلى الغلول. قال تعالى: "ومن يغلل يأت بما غل يوم القيامة" عبارة عن الخيانة في المغنم والسرقة، وكل من خان في شيء خفية فقد غل، وسميت غلولاً لأن الأيدي فيهما مغلولة. أي ممنوعة مجعول فيها غل: أي الحديدة التي تجمع يدي الأسير في عنقه. وهذا تعبير جميل يدعو إلى من أسند إليه عمل وأخذ أجرة عليه أن يتقي الله في حفظه ويرعاه بأمانة ويخشى الله في أدائه كاملاً ولا يسرق.
الزكاة ثمرتها اجتماع وتآلف وخلاصة أدائها علم ضمان الاقتصاد، وقد رأيت - أعزك الله - الزكاة مطهرة من البخل، ومدعاة للمحبة والمودة، وأنها سبب زيادة الرزق، وتقربك إلى الله، والناس بالسخاء، والإنفاق لله، وهي إحدى الخصال الست التي كفل النبي الجنة لمن أداها، وتبعد عن النار وأذى الجار، وحصن منيع من الضياع والسرقة، وهي باسم التقرب إلى المولى جل وعلا ليجيب الدعاء، ويشفي المرض (داووا مرضاكم بالصدقة) ومنعها شح، ونزع الثقة، والبركة من أصحاب الأموال فيوصفون بالشره والطمع، وقلة الدين والجهل والجنون. وحسبك رجل مر على قوم لا يزكون فاحتقرهم، ونبذ صحبتهم (إن هؤلاء لا يعقلون إنما يجمعون الدنيا، لا والله لا أسألهم دنيا ولا أستفتيهم عن دين حتى ألقى الله عز وجل) ولن تجد أجدى عاقبة من إخراج الزكاة فهي تنمي مالك، وتجلب بركة الله لأولادك، وتخلد ذكرك، وخلاصة قواعد علم الاقتصاد جمعتها فوائد الزكاة، وسراة أوروبا وأمريكا بل والعالم عملوا بآداب الزكاة وجادوا بأموالهم في إنشاء مشروعات الخير، ووجود طرق البر والعطف على الفقراء، فعاشوا في اطمئنان، وكسبوا ثقة مواطنيهم، وراجت تجارتهم، ووفرت أموالهم حتى تعد بالآلاف. بنوا المستشفيات للمساكين المرضى فخففوا آلامهم، فضاعف الله رزقهم، وهكذا من أعمال صالحات نافعات في الحياة، والله لا يضيع عمل عامل.
حدثني رجل أمريكي أن القرية لا تعدم أغنياء فيقوم أولئك الأفراد بحاجات هذه القرية من مصحات تنشأ ومعاهد تقام ومن أدوية تصرف وهكذا كل مدينة فيها المحسنون الذين يؤدون واجب المواساة، فيعيش الموسرون في عز وسعادة ورضا وكسب محبة مواطنيهم وثناء جميل فتتبادل الثقة، وتتجدد المودة، ويزول الحقد والشحناء وتنتشر الأعمال الحرة والصناعات المثمرة، ويتجه الكل إلى عمل في الحياة يرقى به وطنهم وتسعد أمتهم، والحمد لله قام عهد الجهمورية يتتبع سنن الإسلام في وزارة الشئون الاجتماعية وتنفيذ معونة الشتاء بمراعاة أوامر الحكومة الرشيدة. نصرها الله تعالى.
الآداب الباطنة في الزكاة عند الإمام الغزالي:
أولاً: فهم وجوب الزكاة وأنها من مباني الإسلام، وهي امتحان درجة المحب بمفارقة المحبوب والأموال محبوبة فيظهر الإيمان بإنفاقها في حب الله. قال تعالى: "إن الله اشترى من المؤمنين أنفسهم وأموالهم بأن لهم الجنة" وهو مسامحة بالمهجة شوقاً إلى لقاء الله عز وجل، والمسامحة بالمال أهون.
ثانياً: التعجيل في إخراجها لإدخال السرور على الفقراء.
ثالثاً: الإسرار والبعد عن الرياء والسمعة. قال: (أفضل الصدقة جهد المقل إلى فقير في سر).
رابعاً: أن يظهر حيث يعلم أن في إظهاره ترغيباً للناس في الاقتداء به، ويحرس سره من داعية الرياء.
خامساً: أن لا يفسد صدقته بالمن والأذى، والمن: أن يذكرها، والأذى: أن يظهرها، وقال سفيان: =

<<  <  ج: ص:  >  >>